إجابة عن سؤال للشيخ سعيد بن
مبروك القنوبي
الحمد
لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين
،
أما بعد
:
فقد ذهب أصحابنا - رضوان الله عليهم - إلى أن القنوت منسوخ في
فريضة الفجر كغيرها من الصلوات ، ووافقهم على ذلك جماهير العلماء ،
منهم أبو حنيفة
وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وسائر أصحابهم وابن المبارك والليث بن
سعد وسفيان الثوري
وأحمد وإسحاق ويحيى بن يحيى الأندلسي ، وإليه ذهب من التابعين
الأسود والشعبي و
الحسن وسعيد بن جبير
وعمر
بن ميمون والنخعي وطاوس والزهري ، وهو مذهب أبي بكر وعمر
وعثمان وعلي على الصحيح عنهم وابن مسعود وابن عباس وابن عمرو وابن
****ير وأبي
الدرداء وعبد الرحمن بن أبي بكر وآخرين ، ونسبه الإمـام الترمـذي
إلى أكثر أهـل
العلم . وهـو الحـق ؛ وذلك لأنه من كلام الناس ، وكلام الناس ممنوع
فيها بعد نسخه
بنص سنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، كما ثبت ذلك عن
جماعة من صحابة
رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ، فقد روى مسـلم وأبو عوانة
والبخاري في
"
جزء القراءة خلف الإمـام
"
وفي " خلق الأفعال " والنسائي وأبو داود والدارمي وأحمد
وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والطحاوي في " شرح المعاني "
والطبراني والبيهقي
والطيالسي والخطيب في " الموضح " وآخرون من طريق معاوية بن الحكم
السلمي قال : بينا
نحن نصلي مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ عطس رجل من القوم
، فقلت : يرحمك
الله ، فرماني القوم بأبصارهم فقلت : واثكل أمياه ، ما شأنكم
تنظرون إليّ ؟!
،
فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم فلما رأيتهم يصمتونني فإني سكت
، فلما صلى رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله
ولا بعده أحسن
تعليماً منه ، فوالله ما كرهني ولا ضربني ولا شتمني ، قال : (( هذه
الصلاة لا يصلح
فيها شــيء من كلام الناس وإنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن
)) .
وروى
البخاري ومسلم وأبو عوانة والنسائي وأبو داود والترمذي وابن خزيمة
وابن حبان
والطبراني في " الكبير " والطبري في تفسيره والبيهقي والخطابي في
"غريب الحديث"
والبغوي وأحمد بن حنبل ، عن زيد بن أرقم قال : (( كان الرجل يكلم
صاحبه في عهد
النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحاجة في الصلاة حتى نزلت هذه
الآية } وقوموا لله
قانتين { فأمرنا بالسكوت )) . زاد مسلم وغيره )) ونهينا عن الكلام
)) .
وروى
أحمد والنسائي والشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والحميدي
والطيالسي والطبراني في
"
الكبير " وأبو داود وابن حبان والبيهقي والبغوي والطحاوي في " شرح
المعاني " ، عن
ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : كنا نسلم على النبي - صلى الله
عليه وسلم - وهو
في الصلاة فيرد علينا ، فلما أن جئنا من أرض الحبشة سلمت عليه فلم
يرد علي ، فأخذني
ما قرب وما بعد فجلست أنتظره فلما قضى الصلاة قلت : يا رسول الله
إنك كنت ترد علينا
،
فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( إن الله يُحدث من أمره ما شاء ،
وإن مما أحدث
أن لا تكلموا في الصلاة )) . ورواه أيضاً البخاري ومسلم وابن خزيمة
والدارقطني
وآخرون بلفظ )) إن في الصلاة لشغلاً )) ، وله ألفاظ أخرى
.
فهذه الأحاديث تدلنا
دلالة واضحة جلية على أن كلام الناس منسوخ في الصلاة ، وهي عامة
تشمل كل كلام للناس
،
ولا يمكن قصرها على أسباب ورودها إذ لا عبرة بخصوص السبب مع عموم
اللفظ كما هو
محرر عند أرباب الأصول ، كما أنه لا يمكن تخصيص هذه العمومات بذكر
فرد من أفرادها ،
إذ إن العام لا يجوز تخصيصه بذكر فرد من أفراده كما هو مذهب جمهور
أهل الأصول
.
ومن الأدلة الدالة على المنع من القنوت
:
ما رواه الإمام أحمد والنسائي
والترمذي وابن ماجه والـطيالسـي وابن أبي شيبة والطحاوي في " شرح
المعاني " وابن
حبان والطبراني والبيهقي والبغوي في " شرح السنة " وغيرهم من طريق
أبي مالك الأشجعي
قال : قلت لأبي يا أبه إنك قد صليت خلف رسول الله – صلى الله عليه
وآله وسلم – وأبي
بكر وعمر وعثمان وعلي ابن أبي طالب هاهنا بالكوفة نحواً من خمس
سنين كانوا يقنتون ؟
،
قال : أي بني مُحدث . وفي رواية قال : صليت خلف النبي - صلى الله
عليه وسلم - فلم
يقنت ، وصليت خلف أبي بكر فلم يقنت ، وصليت خلف عمر فلم يقنت ،
وصليت خلف عثمان فلم
يقنت ، وصليت خلف علي فلم يقنت ، ثم قال : أي بني بدعة . قال
الترمذي : حديث صحيح ،
وقال الحافظ في " التلخيص " : حسن
.
هذه أهم أدلة المانعين ، وهي أدلة واضحة
صريحة كل الصراحة ، ولم يأت من قال بخلاف ذلك بما تقوم به حجة ،
وأقوى ما عندهـم
حـديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قنت شهراً يدعو على
المشركين ثم تركه ،
وأما في الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا . وهذا الحديث ضعيف لا
تقوم به حجة ولا
عبرة بتصحيح من صححه ؛ وذلك لأن في إسناده الربيع بن أنس ، قال ابن
حبان : الناس
يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه ، لأن في أحاديثه عنه
اضطراباً كثيراً
،
والراوي عنه هنا أبو جعفر المذكور ، وأبو جعفر هذا ضعيف من جهة
حفظه ، كما نص على
ذلك جماعة
.
وأما بقية الأدلة التي ذكروها فلا دليل فيها البتة على ما قالوه ،
لأن غاية ما فيها ثبوت القنوت عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم
- ولا نزاع في
ذلك ، وإنما النزاع في بقائه ، والله أعلم
.
سعيد بن مبروك
القنوبي