مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب أحكام السفر في الإسلام

 

للشيخ علي يحي معمر

 

الأدلة على وجوب القصر

في الفصل السابق قدمت لك حكم الصلاة في السفر ولقد يكون ذلك الحكم مخالفا لما تعرفه أو لما تعتاده أيها القارئ الكريم ولذلك أردت أن أضع بين يديك الأدلة على صحة ذلك الحكم ، وأنا أضع بين يديك الأدلة على صحة ذلك الحكم ، وأنا حين أضع بين يديك حكم الصلاة في السفر والأدلة عليه لا أرجع إلى الملخصات الفقهية في مختلف العصور ، وإنما أرجع إلى خير القرون لأنقل إليك حكم الله  حسب هدي رسول الله  وحسب هدي الرعيل الأول من حملة الإسلام الذي لا ينطفئ أبدا .

فقد أجمع رواة السيرة والحديث أن رسول الله  لم يتم في سفر قط سواء كان ذلك السفر طويلا أو قصيرا ولم يأمر بالإتمام قط .

ويكفي هذا القدر في معرفة وجوب القصر في السفر ، فإن الله سبحانه وتعالى أوجب علينا فريضة الصلاة وترك إلى رسوله  بيان التفاصيل في الحضر والسفر جميعا . وقد قال  في الحديث الصحيح (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) (1). وقد نقل إلينا أصحابه  أنهم رأوه يصلي في الحضر أربعا لكل من الظهر والعصر والعشاء ، وأنهم رأوه يصلي ركعتين في السفر لكل من الظهر والعصر والعشاء وأنهم صلوا وراءه كذلك وأنه لم يقصر بهم في حضر ولم يتم بهم في سفر البتة .

وما كان لنا أن نخالف رسول الله  فيما شـرعه الله لنا ، ولو كان هناك حكم غير هذا الحكم لصلاة الحضر أو لصلاة السفر لبيَّنه  فما يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة . ثم ماذا نبتغي بالزيادة عما فعله  ودوام على فعله في جميع أسفاره ؟ أنبتغي الفضل والتقوى ؟ لو كان في ذلك فضل لسبق إليه  ونحن إنما نلتمس الفضل باتباع هديه والاقتداء به ومن حسب أنه يسبق رسول الله  إلى الخير ، فقد خدعته نفسه ، وغره الشيطان . وقد جاء عنه  قوله : (( والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله ، وأعلمكم بما أتقي )) (1).

وبعد هذا فإليك أيها القارئ الكريم ما يقوله رواة السيرة والحديث لتطمئن إلى صحة هذا الحكم :

1- " قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة فلما قدم رسول الله  المدينة زاد مع كل ركعتن ، ركعتين . إلا في المغرب فإنها وتر النهار وصلاة الفجر لطول قراءتها وكان إذا سافر  الصلاة الأولى "(1) .

2- " صلاة المسافر ركعتان حتى يؤوب إلى أهـله أو يموت " (2).

3- " على المقيم سبع عشرة ركعة وعلى المسافر إحدى عشر ركعة "(3) .

4- قال عمران بن الحصين " ما سافر رسول الله  سفرا إلا صلى ركعتين حتى يرجع ، ويقول " يا أهل مكة قوموا فصلوا ركعتين ، فأنا في سفر " وغزا الطائف وحنينا فصلى ركعتين ، وأتى الجعرانة فاعتمر فيها ، وحججت مع أبي بكر  فصلى ركعتين ، واعتمرت مع عثمان فصلى ركعتين ركعتين صـدرا من إمارته ثم صـلى عثمان أربعا " (1).

5- " كان  إذا خرج من بيته مسافرا يصلي ركعتين ركعتين حتى يرجع " (2).

6- " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر " (3).

7- " فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر ففرضت أربعا وتركت صلاة السفر على الأزل " (4).

8- " فرض الله تعالى الصلاة في السفر ركعتين وفي الحضر أربعا " (1).

9- " فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة " (2).

10- " من صلى في السفر أربعا كمـن صلى في الحضر ركعتين " (3).

11- قال ابن عمر "صحبت رسول الله  فكان لا يزيد في السفر على ركعتين وأبا بكر وعمـر وعثمـان كذلك" (4).

12- " صلاة السفر ركعتان وصلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد  " (1).

13- قال ابن عمر : " صلاة السفر ركعتان نزلت من السماء فإن شئتم فردوهما " (2).

14- " صلاة السفر ركعتان من خالف السنة كفر " (3).

15- قال قتادة : سمعت موسى بن سلمة قال : سألت ابن عباس فقلت : إني أكـون بمكـة فكيـف أصـلي ؟ قال : " ركعتين سنة أبي القاسم  " (4).

16- أقام رسول الله  مُدَدَّا في أماكن مختلفة وفي كل ذلك يقصر الصلاة :

- فقد أقام في مكة ثمانية عشر يوماً (1)، وأقام بتبوك عشرين يوماً (2)، وأقام بخبير أربعين يوما (3)، على إحدى الروايات وفي كل ذلك يصلي ركعتين ركعتين .

هذا بعض ما ورد عن رسول الله  من قول أو عمل وإليك أيها القارئ الكريم هدي الرعيل الأول من الصحابة والتابعين :

1- أقام أصحاب رسول الله  برام هرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة (4).

2- أقام ابن عمر في أذربيجان ستة أشهـر يقصـر الصلاة (1).

3- أقام أنس بن مالك بالشام سنتين يصـلي صلاة المسافر .(2)

4- أقام عبدالرحمان بن سمرة بكابل سنتين يقصـر الصـلاة (3).

5- أقام سعد ببعض قرى الشـام أربعين ليلة يقصر الصلاة .(4)

6- كان أصحاب رسول الله  يقيمون بالري السنة وأكثر يقصرون الصلاة وكانوا يقيمون في سجستان السنتين يقصرون الصلاة (5).

7- قال الحسن البصري مضت السُّنَّةُ أن يقصر المسافرون ولو أقاموا عشر سنين (1).

8- قال بوجوب القصر عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وجابر (2).

هذا أيها القارئ المسلم هدى محمد  وهدى أصحابه .وإنك لا تستطيع إلا أن تسلك سبيلهم وتعرف أن النجاة في الطريق الذي اتبعوه وإن شئت أن تستأنس بآراء أهل العلم فإليك ما يلي :

1- قال الصنعاني (3)عندما تحدث عن حديث عائشة : " في هذا الحديث دليل على وجوب القصر في صلاة السفر ، لأن فرضت بمعنى وجبت . ونقل عن الهيثمي(1) قوله بعد شرحه لحديث ابن عمر ، رجاله موثقون (2)، وهو توقيف لا مسرح فيه للاجتهاد " (3).

2- قال ابن القيم (4): " كان يقصر  الرباعية فيصليها ركعتين من حين يخرج مسافرا إلى أن يرجع إلى المدينة ، ولم يثبت عنه أنه أتم الرباعية في السفر البتة " (5).

3- قال الأستاذ سيد سابق في كتابه القيم : " المسافر يقصر الصلاة ما دام مسافرا ، فإن أقام لحاجة ينتظر قضاءها قصر الصلاة كذلك لأنه يعتبر مسافرا وإن أقام سنتين فإن نوى الإقامة مدة معينة فالذي اختاره ابن القيم أن الإقامة لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت ما لم يستوطن المكان الذي أقام فيه (1). ونقل عن ابن القيم أيضا قوله : أقام رسول الله  بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة ولم يقل للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك ولكن اتفق إقامته هذه المدة ، وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على الإقامة بذلك الموطن " (2).

4- قرر قطب الأئمة (3)وجوب القصر على المسافر وأطال في الاحتجاج لهذا الرأي ، ورد ما استند إليه من يقول بالجواز (4).

ثم أورد في كتابه شامل الأصل والفرع ما يلي : " وقد قال مالك (1)بما قلنا من وجوب القصر على المسافر (2)، وقد روى في موطاه حديث عائشة : فرضت الصلاة ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر " (3).

قال ابن يونس المالكـي (4): ومن المدونة قال مالك : ومن صلى في السفر أربعا في الوقت (5). قال سحنون : (1)جهلا أو عمدا أو نسيانا ، وقال مطرف(2) عن مالك : أنه أتم نسـيانا أو سهوا سجـد لسـهوه وأجرته "(3) . انتهى ما أورده القطب .

أعتقد أن هذا يكفي لمن أراد أن يعرف الحكم الشرعي الثابت عن رسول الله  ومن لم يجد في هذا مقنعا فليرجع إلى مصادر الشريعة من كتب السنة والسيرة النبوية ، فسوف يجد ما يطمئن إليه القلب ، وترتاح له النفس ، ويرضى به المؤمن الذي يعلم أنه ليس للبشر ن يحكموا فيما نزل فيه حكم الله ، لقوله تعالى : [ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ] .(1)

من أدلة القصر أيضا

قال الله تبارك وتعالى : [ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ] (1)

اختلفت آراء العلمـاء في الاستدلال بهذه الآية الكريمة ، فاستدل بها بعض على وجوب التقصير في صلاة السفر(2) ، واستدل بها البعض الآخر على جوازه (3). ومبدأ هذا النقاش كان في أزمة الصحابة  .

فعن يعلي بن أمية قال قلت لعمر بن الخطاب [ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ] فقد أمن الناس . فقال – أي عمر- عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله  عن ذلك فقال : (( صدقة تصدق الله بها عليكم ، فأقبلوا صـدقته )) (1).

إن الآية الكريمة نزلت في صلاة الخوف لا في صلاة السفر وقد أشكلت على بعض الصحابة ومنهم عمر فسألوا رسول الله  فأجابهم بحكم صلاة السفر ، وقال : إنها صدقة من الله سبحانه وتعالى وأنه يجب على المؤمنين قبول هذه الصدقة ، فإنها نعمة من نعم الله الكثيرة التي يغمر بها عباده ،وأن من شكر النعمة أن يتقبلها الإنسان باستبشار ورضى . وأن رّد الإنسان لنعمة من نعم الله كفر بها ، وقد خشي رسول الله  أن يظن بعض الناس أن القصر في السفر رخصة وأن الاتمام أفضل ، فيؤدي بهم ذلك إلى رد حكم الله فأصدر أمره 5 بقبول حكم الله فقال : (( فأقبلوا صدقته )) – والأمـر للوجوب –

ومن ذا يعرض عن أمر رسول الله  ؟ ويرد صدقته الله بالتيسير والتخفيف على عباده المؤمنين ؟ والذي يؤكد هذا المعنى السنة العملية من رسول الله  فإنه لم يتم في سفر قط وليست كل أسفار رسول الله  خوفا فقد كان في كثير منها آمنا مطمئنا وقد أقام في أمكنة كثيرة مددا مختلفة ولكنه مع ذلك كان يقصر الصلاة ، وتلك الإقامة مع الأمن هي التي أشكلت عل عمر فسأل رسول الله  وهو يحسب أن الآية نزلت في السفر فبين له رسول الله  أن القصر في السفر فبين له رسول الله  أن القصر في السفر صدقة من الله وأنه لا يحل لامرئ يؤمن بالله أن يرد على الله صدقته . فالحديث يبين حكم الله في صلاة السفر أما الآية فقد جاءت لبيان حكم آخر وهو صلاة الخوف . على أنه يكفي أن يكون الحديث الشريف مفسرا للآية الكريمة حتى يدل على الوجوب وذلك لسببين :

الأول : أن القصر صدقة من الله على عباده المؤمنين وصدقة الله لا ترد .

والثاني : أمر الرسول  لنا بالقبول .

أما الذين استدلوا بالآية الكريمة على عدم وجوب القصر فقد اشتبه عليهم قوله تعالى : [ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ ] (1) ، فظنوا أن رفع الجناح يعني التخيير والذي يبدو من تدبر معنى الآية الكريمة مع ما يفهم من السنة النبوية أن رفع الجناح هنا يعني التطمين والإيناس لا التخيير فقد علق في أذهان الناس لكثرة ما يصلون في الحضر أن الصلاة في الظهر والعصر والعشاء رباعية وأن صلاتهم ركعتين في السفر إنما هو رخصة وإتيان العزيمة في نظرهم أفضل وأكمل فجاء الكتاب الكريم يبين لهم أن صلاة ركعتين في السفر ليس برخصة وإنما هو شرع الله لعباده وأن امتثالهم لأمره تعالى لا جناح فيه ولا إثم والشاهد على هذا المعنى قوله تعالى : [ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ] (1) ، وقد جاءت هذه الآية الكريمة للتطمين والإيناس فقد سبق في أذهان الناس أن السعي بين الصفا والمروة من أعمال الجاهلية لأنهم يطوفون حول الصنمين أساف ونائلة وتحرجوا من ذلك فبين الله لهم أن السعي بين الصفا والمروة فريضة من فرائض الله وشعيرة من شعائره لا تترك لوهم متوهم ولا لسابق كفر من المشركين وان المسلمين يجب عليهم أن يؤدوا هذه الشعيرة وهم مطمئنون أنهم يؤدون حكم الله ، ولم أعرف فيما اطلعت عليه أن السعي بين الصفا والمروة رخصة تركها أفضل قياسا على ما ذهب إليه ذاهبون في صلاة السفر وإنما يرى أكثر المذاهب أن السعي ركن يبطل الحج بتركه ويرى بعض المذاهب أنه واجب يجبر بالدم . وعلى هذا القياس يقال في الآية السابقة عندما تحرج المسلمون من صلاة ركعتين في السفر وهم آمنون مقيمون أنزل الله الآية يبين لهم حكمه ويطمئنهم إلى حكم الله يجب أن يطاع وأن القصر في السفر فريضة من فرائض الله وشعيرة من شعائره لا تترك لوهم سبق إلى نفس الإنسان وإنما يجب على المسلمين أن يعملوا بما ثبت من عمل رسول الله  والله يحكم ما يريد .

 

 
 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع