مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب آلهة من الحلوى -2

 

للشـيخ علي يحي معـمـر

الطّـفْـل

إن الإنسان في هذا العصر ، يوجه اهتماماً متزائداً إلى الطفل ، فقد أصبحت دراسته ، والتفكير فيه ، والحديث عنه ، والإهتمام به في جميع الظروف والأحوال ، مظاهر تشغل حيزاً غير ضيق في الوقت ، وجانباً غير قليل من العناية ، وتستهلك قدراً ضخماً من الجهد ، وقسطاً وافراً من ميزانية الدولة ، بل لقد أصبح يخيل للإنسان الكبير ، أنه هو خالق الإنسان الصغير (الطفل ) فمن حقه أن يشكله بالشكل الذي يريده ، ومن واجبه أن يتولى شؤون سعادته وشقائه ، وشؤون غذائه ونمائه ، وشؤون إيجاده وإعدامه ، بل حتى تحديد العدد اللازم منه في الأرض .

ولعل وزارة أو أكثر في كل دولة من دول العالم إنما تخصص للطفل ، فوزارة التربية مثلاً هي وزارة للأطفال ، وأهم أعمال وزارات الصحة الإجتماعية إنما تقدم للأطفال أو من أجل الأطفال ، ووزارات الشباب إنما هي وزارات يعود أغلب ما تقدم به إلى الطفل .

وكل وزارات الدولة بل الدولة نفسها بما فيها من أجهزة وإمكانيات تجدها متهمة بالطفل في جميع الأحوال .

الإهتمام بأمراض الورائة ، قضية الحمل ، معاملة الحامل ، الغذاء والدواء لها وله وهو في بطنها لم يخرج بعد ، الإستعداد لاستقبال مقدمه ، تنظيم مروره إلى الحياة بتحديد الحمل أو منعه، إذا اقتضى الأمر ، تحديد العديد بالنسبة لأفراد الأسرة ، فتح الباب أمام عدد محدد ومنع مجيء أطفال جدد إذا خيف أن يقلقوا راحة الموجودين بالفعل ، على اعتبار أن الأرض هي ملك للأحياء الموجودين عليها بالفعل ، وأن الذين لم يدخلوها بعد إنما هم دخلاء من حقنا أن لا نستقبلهم ولا نقوم بضيافتهم ، وما دامت الأرض لا تستوعب إلا عدداً معيناً في نظرنا فإنه من حقنا أن لا نسمح بالزيادة على ذلك العدد ، وما دام دخل البيت في نظرنا لا يكفي إلا لأربعة أفراد فإنه من حقنا أن لا نسمح بالزيادة عن ذلك العدد في ذلك البيت وهكذا .

ثم الإهتمام بدور الطفولة والحضانة والمدارس والملاعب ومعسكرات الشباب ، كل تلك الأشياء داخلة في هذا الإهتمام بالطفل .

والذي يلاحظ من بعيد ما يقال في هذا المجال وما ينبغي أن يعمل للطفل يجد أن الاسرة إنما هي عبارة عن ثلاثة أفراد ، أو لها طفل يحاط بجميع مظاهر القداسة والعبادة ، وأم ساهرة على خدمة هذا الطفل ، أو الإله الصغير تقوم عليه بالخدمة الممتازة ، وتغدق عليه محبتها وتضفي عليه من أحاسيسها ومشاعرها وعاطفتها وتقدم إليه ما يحتاجه في هذه السن المبكرة ، أما الأب في الحقيقة فهو خادم أو عبد يؤمر فيطيع وعليه أن يحضر للطفل ما يحب له حسب ذوق أمه ورأي الجماعة ، وأن يكفل له ولها الغذاء المناسب واللباس والرعاية المناسبة ، إن الأب في هذه الحال ليس له حق وإنما عليه الواجب فقط ، عليه أن يتكفل بجميع ما يحتاج إليه الإثنان وأن يحضره ويعده لهما ، عليه أن يعمل ليوفر للإله الصغير القابع في مهده ولسادنة المعبد جميع ما تقتضيه طبيعة حياتهما وطبيعة حياته .

وقد يبدو من جهة أخرى أن تفكير الانسان الكبير في تسيير الإنسان الصغير ( الطفل ) قد يختلف بعض الاختلاف في العصور القديمة والعصر الحديث ، بل ربما أن التخطيط فيهما يتجه اتجاهين متباعدين .

فبينما كان الإنسان الكبير في القديم إنما ينظر إلى الطفل نظرة فردية باعتبار الطفل امتداداً الحياة أحد الأبوين ، يتمنى ذلك الأب أن يرث منه طفله جميع مواهبه وخصائصه وطباعة ، وفي كثير من الأحيان حتى وسائل معاشه ، وأساليب احترافه ، وإن كان يتمنى أن يكون ذلك منه بطريقة أفضل وأحسن وأعود بالكسب ، كانت الدولة إنما تقف ناظرة من بعيد في شبه سلبية تنتظر حتى يتجه إليها ذلك الفرد لينضم إلى قواها .

بينما كان هذا الاسلوب هو الظاهر في القديم ، فإن أسلوب العصر الحاضر تغير تغيراً ملحوظاً ، فأصبحت الدولة تهتم بالطفل أكثر حتى من اهتمام الاسرة أو أفراد الأبوين ، ولذلك فهي تقدم له الرعاية في سنواته الأولى ، ثم لا تلبث أن تستلبه من أٍسرته وتستأثر دونهما في تشكيله في الشكل الذي ترغبه وتريده ، ذلك أن الإنسان في هذا العصر قد تخلى عن التفكير الفردي وأصبح يعمل بروح المجموعة ، فهو يريد أن تسيّر المجموعات الصغيرة ، وأن المجموعات الصغيرة يجب عليها أن ترث كل الخصائص والمواهب
والأفكار والسلوك من المجموعة الكبيرة ، وأن تسير حسب مخططاتها .
 


فصول الكتاب

0 مقدمة 11 الاستعمار بين الرجل والمرأة
1 قوالب البشر 12 التفوق بين الرجل والمرأة
2 الطفل 13 الخداع بين الرجل والمرأة
3 الطفل في الغيب 14 الحاكم
4 الطفل في الطريق 15 مخروط الحكم
5 الطفل في الاسرة 16 أين الرجل
6 الطفل في المدرسة 17 مظاهر العبادة في الأقانيم الثلاثة
7 طفل الدولة 18 الانسياق الجماعي
8 المرأة 19 فصول لم تكتب
9 المعركة المفتعلة 20 كلمة الختام
10 الحرية المهدورة    
 
 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع