الـمـرأة
لعلَّ المرأة لم تشغل من فكر الإنسان ، وتأخذ من
وقته وتستحوذ على اهتمامه – في أي فترة من فترات التاريخ – كما شغلت
واستحوذت وأخذت ذلك منه اليوم ، رغم أن المرأة في حياة الإنسانية
الكاملة كانت هي مثار الإهتمام وموضوع المنافسة والحديث .
والسبب فيما يبدو أنها في العصور السابقة كانت هي موضوع الحديث فقط ،
فالديانات تشغل بها وتخصها بجانب من الرعاية ، والفلسفة تهتم بها
اهتماماً خاصاً وتوليها جانباً آخر من العناية ، وكانت العاطفة
البشرية تتأثر بها وتؤثر فيها وتخصها بالجانب الأكبر من الإهتمام ،
وكانت المرأة تنظر إلى كل ذلك متلذذة مستمتعة متدللة طالبة المزيد ،
متصنعة الحنق والغيظ ، مظهرة في ظاهرها الإحساس بالحرمان ، وهي في
داخل نفسها مغتبطة فرحة.
وجاء العصر الحديث ، ورغبت المرأة في المزيد من العناية والاهتمام ،
ولم تعد تكتفي بالإيحاء بما تريد ، وإنما خطر لها أن تتولى هي نفسها
الإعلان والمطالبة وأن تشترك أو تقود هذه الحركة الجديدة ، وبعد أن
كانت المرأة موضوع الحديث والاهتمام أصبحت موضوع الحديث والاهتمام
ومصدرهما أيضاً ، وهكذا تضاعفت الحجم والمساحات التي كانت تشغلها
المرأة من واقع الحياة .
وإذا استمرت المرأة في مسيرتها هذه ، فلا يبعد أن تخسر كونها موضوع
الإهتمام والرعاية وتكسب كونها مصدر الإهتمام والعناية ، وحينئذ
تنتقل من شيء عزيز يصوره الخيال وتزينه الأحلام ويعزّه تزاحم الطلب ،
إلى سلعة معروضة على الرصيف تعلن عن نفسها في ذلة وانكسار ، تقتحمها
العيون ، وتمتهنها الأيدي وتسحقها ألوان السخرية المتتابعة .
فصول
الكتاب