مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب سمر أسرة مسلمة  

 

الليلة الحادية عشر

تلاحق أفراد الأسرة إلى حجرة الاجتماع وقد أخذت الزوجة موقد الشاي وحمل معها نجيب الإبريق وأواني الماء ، فلما دخل بها قال الأب وهو يبتسم : يبدو انك تنوي أن تكون مساعداً لأمك في صناعة الشاي يا نجيب .

قال نجيب : إن إعداد الشاي أمر يسير يا أبي ولقد طلبت من أمي عدة مرات أن تسمح لي بإعداده بدلا منها ولكنها لا تسمح لي بذلك لأنها تؤثرني على نفسها وتريد مني أن أستفيد من جميع لحظات وقتي وان لا يصرفني عن حديثكما الممتع شيء وهذا كما ترى تضحية كبرى براحتها من أجلي .

قال الأب : أن الأبوين عندما يقومان بأي عمل من أجل أبنائهما لا يسحبان عملهما ذلك تضحية وإنما يحسبانه واجبا أما الأبناء فهم يحسبون ما يقدمونه من مساعدة لآبائهم براً بهم وإحسانا لهم وتضحية من أجلهم .

قال نجيب : ليس كل الأبناء هكذا يا أبي فإن منهم من يرى انه لا يستطيع مهما بذل من جهد أن يقوم بجزء من واجبه في حقوق أبويه .

قالت الأم : أولئك هـم الأبناء البررة يا ولدي أدام الله لنا فيك البر والوفاء ، وأرانا منك وفيك ما يسرنا ويبهج خواطرنا .

قال الأب : الحق أننا لم نر ما يسوءنا من نجيب إلى حد الآن ، ونرجو أن يدوم على خلقه السمح ودينه القويم .

قال نجيب : إن أعجبكما منه شيء فذلك من فضل البيت الذي ربي فيه والأبوين اللذين اقتبس منهما أخلاقه .

قالت الأم : وهل يطلب أي والدين من أبنائهما غير أن يقتبسوا منهما الأخلاق ويستمعوا إلى النصائح .

قال الأب : هذا حق فإن الإقتداء والطاعة هو كل ما يطلبه الأبوان من أبنائهما وقد وجدنا ذلك في نجيب والحمد الله .

قال نجيب : هل نويتما يا والدي العزيزين أن تجعلاني موضوع سمر الليلة ؟

قال الأب : لا يا والدي ولكن سأترك لك اليوم أن تقترح موضوع السمر وتبدأ فيه الحديث .

التفت نجيب إلى أمه وقال : وهل أنت موافقة على اقتراح أبي يا أماه ؟

قالت الأم : نعم يا ولدي إنني موافقة وأرجو أن تبدأ الحديث .

قال نجيب : كثيراً ما ترددت في أسمارنا السابقة كلمات : الإيمان ، الإسلام ، الدين ، والتوحيد ، فهل هذه كلمات مترادفة تدل على معنى واحد أم إن كل كلمة منها تدل على معنى غير المعنى الذي تدل عليه الأخرى .

قال الأب : إن لهذه الكلمات معاني لغوية ولها معاني شرعية ، أما معانيها اللغوية فمختلفة وأما معانيها الشرعية فمتفقة .

قال نجيب : فما هي معانيها اللغوية يا أبي ؟

قال الأب : الإيمان معناه التصديق ، والإسلام معناه الانقياد والخضوع ، والدين معناه الطاعة ، والتوحيد معناه الإفراد .

قال نجيب : فما هي معانيها الشرعية ؟

قال الأب : إذا قلنا هذا الرجل مؤمن بالله فنعني أنه مصدق بوجود الله ووحدانيته واتصافه بجميع الكمالات والتصديق بذلك يقتضي الخضوع والانقياد والطاعة .

قال نجيب : نعم هذا صحيح .

قال الأب : ألا ترى إن كلمة الإيمان تدل على جميع المعاني التي تدل عليها كلمات الإسلام والدين والتوحيد .

قال نجيب : هذا مفهوم ولكننا إذا قلنا هذا رجل مسلم ؟

قال الأب : إذا قلنا هذا رجل مسلم فنعني أنه ممتثل لأمر الله خاضع ومنقاد له ولا يكون كذلك إلا إذا كان مصدقا ومقرا بوجود الله واتصافه بجميع الكمالات ومطيعاً له في جميع الأوامر والمناهي .

قال نجيب : هذا أيضا صحيح فإذا قلنا هذا رجل متدين ؟

قال الأب : إذا قلنا هذا رجل متدين فنعني أنه مطيع ولا يكون الرجل مطيعا لله إذا كان مصدقا به منقاداً له وهذا أيضاً يشمل جميع المعاني التي تشتمل عليها الكلمات الأخرى .

قال نجيب : وهذا أيضا واضح ولكن إذا قلنا هذا رجل موحد ؟

قال الأب : إن الكلمات السابقة تكاد تكون مترادفة ولا تلحظ فيها الفروق إلا في المباحث الدقيقة من علم الكلام ، أما الكلمة موحد فهي تدل على التصديق والإقرار ولكنها لا تدل على الانقياد والطاعة ولذلك فكلمة موحد لا ترادف كلمة مسلم ومؤمن .

قال نجيب : هذا أيضاً واضح يا أبي ثم التفت إلى أمه وقال : هل تذكرين لنا يا أماه بعض الشواهد من حفظك على هذه المباحث الشيقة .

قالت الأم : وأي شواهد أنسب من قوله تعالى : ] وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ [ (1)وقوله تعالى ] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ [ (2)وقوله تعالى ] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَـقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًـا لَّهُ الدِّينَ * أَلاَ للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ[ (1)وقوله تعالى : ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [ (2)وقوله تعالى ] وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [ (3)وقوله تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ[ (4)وقوله تعالى ] وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [ (5)وقوله تعالى : ] وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنْتُمْ آمَنْتُـمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنْتُم مُّسـْلِمِينَ [ (6)وقوله تعالى : ] وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [ (7)والآيات الواردة في هذا المعنى كثيرة جدا في كتاب الله .

قال نجيب : إن الآيات السابقة تدل تمام الدلالة على أن كلمات الإيمان والإسلام والدين تدل على معنى واحد .

قال الأب : الحقيقة إن الإيمان الصحيح الذي هو تصديق بالله وبمحمد وبما جاء به محمد أنه حق عند الله وإن كان من أعمال القلب إلا أنه يقتضي الاستسلام والانقياد والرضا بأحكام الله والانقياد والرضا يقتضي الطاعة .

قالت الأم : كما أن الاستسلام والانقياد والطاعة لا تكون إلا بعد التصديق والإيمان ، فهذه المعاني وإن كانت من أعمال الجوارح إلا أنها ترتبط بعقيدة القلب أوثق رباط .

قال نجيب : وهكذا نفهم أن ما تعنيه كلمة المسلمين هو ما تعنيه كلمة المؤمنين وان الدين هو ما يجب أن يعتقده هؤلاء ويعملوا به ، أما غير ذلك مما يسميه الناس أدياناً ويتبعونها فهي ليست بأديان .

قال الأب : أما ما وضع البشر منها فهي كفر وإلحاد ، وأما ما أنزله الله على أنبيائه فقد كانت أديانا صحيحة حتى حرفها متبعوها أو أبطلها الله U فأصبحت جميعاً باطلة وقد نسخها الإسلام وليس غير الإسلام للبشرية من دين وقد تلت علينا أمك من قبل قوله تعالى : ] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ [ والآية الكريمة تؤكد أنه لا دين اليوم إلا الإسلام وقد كان آخر ما نزل من القرآن قوله تعالى : ] الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا[ (1) فقد اختار الله لنا الدين ورضي لنا الإسلام وليس للبشر أن يخرجوا عن هذا الاختيار ولا أن يتجاوزوا هذا الرضا .

قال الأب : التوحيد هو معرفة الله سبحانه وتعالى ووصفه بالوحدانية والفردية وعدم مشابهة الخلق مع الإيمان بالرسل والأنبياء والكتب والملائكة وما إلى ذلك من خصال التوحيد التي تحدثنا عنها في أسمارنا السابقة والتوحيد ليس مرادفا لكلمة الإيمان أو الإسلام أو الدين ، وهو من أفعال القلب واللسان يبينه ، ولكنه قد يطلق على الإسلام أو الإيمان أو الدين من باب إطلاق الجزء على الكل لأن التوحيد أصل الإسلام .

قالت الأم : وعلى هذا الأساس جرى أبو حفص في عقيدة التوحيد حين قال : " أن سأل سائل فقال ، ما أصل الدين ؟ فقل : الدين هو التوحيد ، قوله تعالى : ] إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ [ والإسلام لا يتم إلا بقول وعمل "(1) .

قال نجيب : لقد فهمت هذا الموضوع فهماً جيداً يا أبي .

قالت الأم : إن علماء الإسلام قد كتبوا عن معاني هذه الكلمات كتابات طويلة وقدموا عنها مباحث شيقة ممتعة ولا يسع المسلم إلا أن يطلع على كثير منها فإن فيها متعة للقلب والروح .

قال نجيب : سوف اعتني بدراسة كثير منها يا أماه .

قالت الأم : وفقك الله يا بني ويسر لك كل أمر عسير .

التفت نجيب إلى أبيه وقال : قد كنا نتحدث عن التوحيد وهذا القسم يتعلق بالقلب واللسان فهل هنالك قاعدة عامة تجمع الفرائض العلمية في الإسلام ، اعني ما يتعلق (2)منها بالجوارح .

قال الأب : لقد وضع أبو حفص عمرو بن جميع لذلك عنوانا فقال : " أسهم الإسلام ثمانية : الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، والعمرة ، والجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر " (3).

قال نجيب : من أين نستمد أحكام الإسلام ، أو بتغير ثان : ما هي مصادر التشريع الإسلامي (4)؟

قال الأب : هي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، والإجماع .

قال نجيب : إنني أعرف القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ولكنني لا أعرف معنى كلمة الإجماع فما هو الإجماع يا أبي ؟

قال الأب : إن تجتمع الأمة الإسلامية على حكم .

قال نجيب : وهل يمكن أن تتفق الأمة كلها على حكم يا أبي ؟

قال الأب : لقد تجوزت في التعبير حين قلت الأمة وإنما أعني العلماء المجتهدين في عصر حكم ما ولم يخالفهم أحد حتى انقضى عصرهم أصبح ذلك الحكم حجة شرعية .

قال نجيب : وهل جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين يا أبي ؟

قال الأب : إن ما لم يوجد له حكم في ذلك سلك به مسلك القياس .

قال نجيب : وما معنى القياس يا أبي ؟

قال الأب : أن يحمل شيء مجهول حكمه على شيء معلوم حكمه فيعطيان حكماً واحداً لأنهما يتفقان في علة الحكم وسببه .

قال نجيب : هل تذكر لي يا أبي أمثلة على ذلك ؟

قال الأب : كثير من المخدرات والمسكرات الموجودة اليوم لم يرد فيها حكم من الكتاب ولا السنة ولا الإجماع فلم تذكر بأسمائها .

قال نجيب : نعم .

قال الأب : وقد نص القرآن الكريم والحديث الشريف على تحريم الخمر .

قال نجيب : نعم .

قال الأب : وقد بين الحديث الشريف إن سبب تحريم الخمر هو الإسكار والتأثير على صفاء العقل .

قال نجيب : نعم :

قال الأب : فالقياس يقضي أن حكم كل ما كان سبباً في الإسكار والتأثير على صفاء العقل إنما هو التحريم .

قال نجيب : نعم .

قال الأب : والمخدرات مثلاً من أقوى المؤثرات على صفاء العقل ومن أعظم أسباب الإسكار فالحكم عليها التحريم .

قال نجيب : يعني أن المخدرات محرمة بالقياس على الخمر .

قال الأب : نعم يا ولدي وهذا مثل ضربته لك لتفهم معنى القياس .

قال نجيب : هذا واضح يا أبي فما هي الأسس التي ينبني عليها الإسلام ؟

قال الأب : هي أربعة أشياء يا ولدي .

قال نجيب : أود أن تشرحها لي واحداً واحداً يا أبي ؟

قال الأب :

الأول : أن تعرف ما لا يسعك جهله ، وان تعرف ما لا يسعك تركه وان تعرف انك مأمور بذلك ملزم به ، وان تعرف أن لك ثواباً على ذلك .

الثاني : أن تقوم بعمل جميع الفرائض عند حضور السبب ووجود الشرط وارتفاع المانع ، وأنت في ذلك ترجو ثوابه وتخاف من تركها عقابه .

الثالث : أن تقصد بعملك رضى الله وامتثال أمره .

الرابع : أن تكف عما لا يحل وتقف عندما لا تعرف وتترك جميع الشبه والمناهي .

قالت الأم : يقول أبو حفص عمرو بن جميع في عقيدة التوحيد : " فإن لك ما قواعد الإسلام فقل أربعة : العلم والعمل والنية والورع "(1) .

قال نجيب : وهل تكفي هذه الأسس لبناء الإسلام يا أبي ؟

قال الأب : لا يرتفع البناء إلا بأربعة أشياء أخرى يا ولدي .

قال نجيب : أود أن تشرحها لي واحدة واحدة يا أبي .

قال الأب :

الأول : الخضوع والانقياد إلى ما أمر الله .

الثاني : سرور القلب بقضاء الله والعزم على امتثال ما حكم الله به .

الثالث : الثقة في الله والاعتماد عليه وإظهار العجز عنده والاحتياج إليه .

الرابع : رد مفاتح الأمور كلها إلى الله تعالى .

قالت الأم : يقول أبو حفص بن جميع :

" وأركان الإسلام أربعة : الاستسلام لأمر الله والرضى بقضاء الله ، والتوكل على الله ، والتفويض إلى الله "(1) وقال البدر الشماخي في شرحها :

(( إن الخضوع غاية جميع الطاعة ، ومرجع العبادة ، وبه يحصل الإخلاص ، وان الرضا بالقضاء أصل الطاعة لأنه القبول والعزم على امتثال ما أمر الله به وسكون النفس إلى قضائه وقدره وترك السخط له نظراً إلى أن في قضائه حكمة عظيمة ، ومصلحة جليلة لكنها خفية علينا ، ومن رضي استراح وهدى ، وحكم الله ماض ، وأما التوكل فأن تثق بما عند الله تعالى وتوطن نفسك أن قوام بيتك وسد خلتك إنما هو من عند الله لا من أحد ، وأنه لا يفوتك ما قسم لك ، وأما التفويض فردك الأمر إلى من بيده التدبير وفاتح الأمور العالم بالمصالح ، فيختار لك ما هو أصلح )) (2).

قال نجيب : لقد أوضحت يا أماه قواعد الإسلام بما نقلته لنا من كلام أبي حفص فهل هناك شيء يتميز به الدين ؟

قال الأب : إن الناس بالنسبة إلى الدين ثلاثة أقسام .

قال نجيب : أود أن تذكر لي الأقسام الثلاثة يا أبي .

قال الأب :

الأول : هو المسلم ، وهو المصدق بجميع ما سبق من أمور التوحيد المقر بذلك ، العامل بما جاء في الإسلام الموفي بدين الله .

الثاني : المنافق أو الكافر كفر نعمة ، وهو المقر بالتوحيد وبجميع ما جاء به الإسلام ولكنه خائن في العمل بارتكابه للمعاصي ويلخص بعض العلماء هذا القسم بقوله : المنافق هو من جاء بالقول وضيع العمل .

الثالث : المشرك ، وهو من لم يقر بأصل من أصول التوحيد أو من كانت معه خصلة شرك .

قال نجيب : هذا واضح يا أبي فهل هناك شيء يحرز به المؤمن دينه .

قال الأب : يحرز (1) المؤمن دينه بثلاثة أشياء .

قال نجيب : أود أن تشرحها لي يا أبي .

قال الأب :

الأول : أن يتولى من علم منه خيراً .

الثاني : أن يبرأ ممن علم منه شراً .

الثالث : أن يجتنب جميع المعاصي ، وان يقف فيما لا يعرفه حتى يعرفه .

قال نجيب : هل للدين حدود يا أبي(2) ؟

قال الأب : نعم يا ولدي إن له أربعة حدود .

قال نجيب : ما هي يا أبي ؟

قال الأب :

الأول : معرفة ما لا يسع الناس جهله طرفة عين وهو التوحيد .

الثاني : فعل ما لا يسع الناس تركه وهو جميع الفرائض .

الثالث : ترك ما لا يسع الناس فعله وهو جميع المعاصي .

الرابع : الوقوف عما لا يعرف حتى يعرف .

قال نجيب : يعني إن الإنسان إذا عرف التوحيد وعمل جميع الفرائض وترك جميع المعاصي وتوقف فيما لا يعرفه حتى يعرفه فقد عمل بما يوجبه الإسلام وكان موفياً بدين الله .

قال الأب : نعم يا ولدي .

قال نجيب : وهل للكفر أسس ينبني عليها ؟

قال الأب : نعم يا ولدي .

قال نجيب : أود أن تذكرها لي واحداً واحداً .

قال الأب :

الأول : الجهل أي جهل ما لا يسع جهله من التوحيد والفرائض وغيره .

الثاني : العصبية أو حمية الجاهلية : وهي إعانة المبطل على باطله باللسان أو المال أو البدن أو السلطة ، وهي أيضا الأنفة من قبول الحق ، اعتزازا بالمال أو الجاه أو السلطان وهي أيضا الاعتزاز بالقبيلة أو القومية أو العنصرية أو ما أشبه ذلك من المعاني أو الأعمال التي تحمل الإنسان على عدم الانقياد للحق .

الثالث : الكبر : وهو احتقار الناس والتسلط عليهم بالازدراء والإهانة ، وتسفيه الحق ممن قاله أو فعله .

الرابع : الحسد وهو تمني زوال النعمة عن الغير .

التفت نجيب إلى أمه وقال : هل تذكرين شـواهد على هذه القواعد يا أماه ؟

قالت الأم : يقول أو حفص بن جميع :

(( وقواعد الكفر أربعة الجهل والحمية والكبر والحسد )) (1)وقد أستشهد العلامة التلاتي (2)في حديثه عن الجهل بالأحاديث الشريفة الآتية (( لا جهل ولا تجاهل في الإسلام )) (3)و (( الجاهل لا يحسن العمل )) (4)و (( ليس في الجنة جاهل ولا ديوث ولا قلاع ، ولا قاطع شفعة ولا مدمن على خمر ولا قاتل النفس التي حرم الله تعالى )) (5).

وأورد أبو العباس (6)في حديثه عن الحمية الأحاديث الآتية : (( هلاك أمتي في العصبية )) (7)و (( وتهلك من هذه الأمة ست بسـت خصال : الأمراء بالجور ، والأغنياء بالكبر ، والعلماء بالتحاسد ، والتجار بالخيانة ، والعرب بالعصبية ، وأهل الرساتق بالجهل )) (8)و (( من تعز بعزاء الجاهلية فعضوه بهن أبيه ولا تكنوا )) (9).

أما على الكبر والحسد فقد أحتج الشارحان بآيات من القرآن الكريم .

قال نجيب : أن هذه الخصال يدل الشرع والعقل على قبحها ولكن هل يرتفع بناء الكفر على الأسس فقط يا أبي ؟

قال الأب : ليرتفع بناء الكفر كاملاً يحتاج إلى أربعة أشياء أخرى .

قال نجيب : أود أن تذكرها لي يا أبي ؟

قال الأب :

الأول : أن يأخذ الإنسان من غير حق ويمنع من غير حق أو أن يعمل على الحصول على ما لا يحل له .

الثاني : أن يخاف الإنسان من الفقر فيمنع حقوق الله أو أن يصانع ذا سلطان بما يسخط الرحمان ويجاز به فيما يريد من ظلم خوفاً على مال أو قريب أو صديق أو أن يساير شخصاً مهما كانت صفته في ارتكاب محرم من فعل أو قول أو أن يفقد الشجاعة الأدبية حتى يضعف عن الصراحة في الحق ويصيبه الخور فلا يعلن كلمة الحق وحكمته ، مجاراة للناس ومسايرة لهم .

الثالث : الشهوة وهو حركة النفس لطلب الملاذ ، والشهوة إلى المتعة المحرمة اعظم ما ينكب به الإنسان وأعني بالمتعة المحرمة كل ما يستمتع به الإنسان من ملاذ الحياة كشهوة البطن من أنواع الأكل والشراب وشهوة الفرج وشهوة النفس من المال والجاه والسلطة وما إلى ذلك .

الرابع : الغضب وهو حركة النفس طلباً للانتقام ولقد قال الرسول r لرجل طلب منه أن يعظه ( لا تغضب ولك الجنة ) (1).

قال نجيب : صدق رسول الله r .

قال الأب : هل بقي لك شيء يا نجيب .

قال نجيب : هذه هي الأسئلة التي خطوت لي الآن .

قالت الأم : حسبنا الليلة سمراً .

قال الأب : صدقت يا أم نجيب فقد كانت جميع الأسئلة التي وجهها نجيب أسئلة دسمة أرجو أن يكون فهمها .

قال نجيب : إنني سأذهب الآن إلى مكتبي لأسجل المناقشة التي دارت بيننا حق أرجع إليها قبل أن تعقدا لي امتحانا .

قال الأب : قم يا ولدي لتنجز عملك وتربح نفسك فقام نجيب وألقى تحية المساء على أبوبه وانصرف ولا يزال ذهنه مشغولاً ببعض المباحث التي دارت في الحديث.

 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع