مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب سمر أسرة مسلمة  

 

الليلة الثالثة

اجتمعت الأسرة الثلاثية بعد صلاة العشاء ووضعت الأم أمامها إبريق الشاي على موقد النار ، وافتتح نجيب الحديث فقال : إنني لا أستطيع مهما حرصت أن أقوم بحقكما علي أيها الوالدان العزيزان .

قال الأب : أن للوالدين حقوقاً عظيمة يا ولدي ، فإن الله تبارك وتعالى جعل الإحسان إليهما في الدرجة الثانية بعد طاعته وعبادته فقال : [ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا] (1) ولكننا سنؤجل الحديث عن هذا الموضوع حتى يكون سمرنا في الحقوق أما الآن فان لتا أحاديث قد تكون أهم بالنسبة إليك .

قال نجيب : تعني معرفة مسائل التوحيد .

قال الأب : ذلك ما أعنيه فانه أول واجب على المكلف .

قال نجيب : هل تذكر لي في إيجاز ما يجب علي في معرفة الله جل وعلا .

قال الأب : يعرف الله تعالى بثلاثة : واجب وجائز ومستحيل فالواجب أن تؤمن إيمانا خالصا أنه لا إله إلا الله الواحد الأوحد ، لا شريك له في ملكه ، موجود بغير مشاهدة ، قديم بلا بداية ، باق بلا نهاية ، حي قيوم ، عالم بما كان وما يكون وما هو كائن قادر مريد سميع بصير متكلم ، صادق في وعده ووعيده عادل في حكمه وقضائه هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم وان تجعل ذلك عقيدة راسخة في قلبك وتنطق بها بلسانك .

وأما المستحيل : فأن تؤمن أنه يستحيل في حقه تعالى الحدوث والعدم والفناء والتغير والعجز وحلول الأزمنة والأمكنة والشريك والمعاون والزوجة والولد ومشابهة الخلق في ذات أو صفة أو فعل تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .

وأما الجائز : في حقه تعالى فصفات الفعل كإرسال الرسل وإنزال الكتب والتوسعة والتضييق في الرزق وخلق المخلوقات في أوقاتها المقدرة في علمه تعالى .

قالت الأم : يقول أبو زكرياء يحي بن أبي الخير الجناوني ما يأتي(1) : يعرف الله بثلاثة : واجب ، وجائز ، ومستحيل ، فالواجب : الألوهية والربوبية والوحدانية ، والجائز ، الخلق ، والافناء ، والاعادة ، والمستحيل : الشريك والصاحبة والولد " (2).

قال الأب : إن أبا زكرياء الجناوني وضع كتابه للمبتدئين ولذلك فقد سلك فيه مسلك الإيجاز والاختصار مع وضوح العبارة ودقتها وهو من خير الكتب التي يجب أن يقرأها طلاب المدارس في المرحلة الإعدادية .

قالت الأم : لقد تناولنا بالحديث في سمرنا ما يتعلق بمعرفة الله ولكن الإنسان لا يكون بذلك فقط مسلما .

قال نجيب : وماذا بقي يا أماه .

قالت الأم : لقد قلت لوالدك أنك اخترت لك الإسلام دينا .

قال نجيب : ذلك ما أنا مؤمن به يا أماه .

قالت الأم : إذن يجب عليـك أن تقر بالجمـلة التي يدعـو إليهـا رسول الله  .

قال نجيب : وما هي هذه الجملة ؟

قالت الأم : أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن ما جاء به حق من عند الله .

فتبسم نجيب وأعاد كلمة الشهادة .

قال الأب : إن الإيمان وحده بهذه الجملة لا يفيد .

قال نجيب : فماذا بقي إذن يا أبي .

قال الأب : بعد أن آمنت بالجملة التي يدعو إليها رسول الله  يجب أن تقر (1)بها وبعد أن تقر بها عرفت وحينئذ تكون مسلما حقا .

قال نجيب وهو يحاول أن يستوعب كلام أبيه : لا زلت لم أفهم كل ما ترمي إليه يا أبي .

قال الأب : إن كلمة الشهادة تشمل على ثلاثة أركان هي الأسس التي انبنى عليها الإسلام .

الأساس الأول : هو شهادة أن لا إله إلا الله وهذا الركن يشتمل على جميع ما ويوصل إلى معرفة توحيد الله وأغلب اسمارنا السابقة كانت في هذا الركن.

الأساس الثاني : هو شهادة أن محمدا رسول الله  .

قال نجيب : وهل يجب الإيمان برسالة محمد  على الفور بعد البلوغ مباشرة كالإيمان بالله .

قال الأب : إن الذي يؤمن بالله ولا يؤمن برسالة محمد لا يعتبر مؤمنا فالإيمان بالرسول  واجب عند أول البلوغ كالإيمان بالله .

قالت الأم : غير أن هنالك فرقا بين وجوب الإيمان بالله ووجوب الإيمان برسالة محمد r .

وانتبه الأبوان من الشرود (1)الذي كانا فيه فقال الأب : هذه الجملة هي الفارق بين الإسلام والشرك فمن أقر بها فقد عصم (2)دمه وماله وأهله ، ومن أنكرها حل قتاله وغنيمة أمواله وسبي (3)نسائه وأطفاله .

قال نجيب : هل يكتسب بالإنسان هذه الحصانة ، بمجرد النطق بالشهادة مهما ارتكب من أعمال ؟

قال الأب : إن الإنسان إذا أقر بكلمة التوحيد حرم سفك (4)دمه وأخذ ماله وسبي نسائه وأطفاله بما معه من التوحيد ، أما العيال والأطفال فلا يحل سبيهما بعد الشهادة شيء أبداً ، وأما المال فإنه لا يجوز أخذه أبداً ، إلا إذا كان سلاحا يعتدي به على المسلمين ويقطع عليهم به الطرقات فإنه حينئذ يجوز أخذه واتلافه لإيقاف البغي وقطع المضرة والعدوان عن الناس .

وأما سفك الدم فقد يحل لأسباب بينها الشرع الكريم وقد أشار رسول اله  إلى بعضها بقوله : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها فقد حقنوا مني دمائهم وأموالهم إلا بحقها قيل ما حقها يا رسول الله ؟ قال : كفر بعد إيمان وزنى بعد إحصان وقتل النفس التي حرم الله )) (1).

قالت الأم : وعلى المسلم أن يعلم أن سفك دماء المسلمين حرام بما معهم من التوحيد ولو كانوا مبتدعين أو مخطئين بالتأويل .

قال نجيب : إذن وعليه أن يعرف أن دماء المشركين حلال لكفرهم بالله وصدهم عن سبيله .

قال الأب : نعم يجب عليه أن يعرف ذلك ، ولكن ليس معنى هذا ان يقوم الفرد المسلم بالفوضى في البلاد وينشر فيها الفساد فيقتل الأفراد ويأخذ أموالهم بدعوى أنهم مشركون .

قال نجيب : أرجو أن توضحي لي هذا الفرق يا أماه .

قالت الأم : الأفضل أن يتولى ذلك أبوك أما أنا فسأقدم لكما كوبا من الشاي الساخن ليبعث فيكما مزيدا من النشاط والحيوية .

قال الأب : لقد صدقت أمك في ملاحظتها هذه يا ولدي والفرق الذي تشير إليه أن الحجة على الإيمان بالله تقوم بالعقل ولو لم تقم بالسماع ويكفي أن يتفكر الإنسان في العالم حتى يعرف أنه مخلوق وان له خالقا ولذلك يطلب من المكلف أن يؤمن بالله من أول البلوغ ولو لم تبلغه دعوة الأنبياء عليهم السلام أما الإيمان برسالة محمد فالحجة عليها لا تقوم إلا بالسماع فإذا سمع المكلف بها وجب أن يؤمن أما إذا لم تبلغه الدعوة ولم يسمع بمحمد ورسالته فهو معذور ، ومثلك يا ولدي من الشباب الناشئ في بلد مسلم وأسرة مسلمة لابد أن يكون سمع برسالة محمد r ولذلك فهو مطالب أن يشهد أن لا إله إلا الله وان محمد رسول الله وان ما جاء به حق من عند الله منذ اللحظة الأولى من البلوغ ولا يجوز له أن يؤخر الإيمان بالرسالة عن الإيمان بالله بعد قيام الحجة لان الدعوة قد بلغته .

قال نجيب : صحيح يا أبي أن الدعوة إلى الإسلام قد بلغت كل أطراف الأرض وسمع بها جميع الأطفال الذين نشأوا في بلدان إسلامية وبذلك تكون الحجة قد قامت عليهم بالسماع فكيف يكون الإيمان بمحمد  ؟

قال الأب : إن الإيمان بمحمد يكون الركن الثاني من كلمة التوحيد كما سبق في أول هذا السمر .

قال نجيب : إن أقل ما يجب أن يعرفه المسلم عن رسول الله  انه محمد ابن عبد المطلب الهاشمي القرشي العربي ، اختاره الله رسولاً إلى الكافة وختم به الأنبياء والمرسلين وأنزل عليه القرآن الكريم بطريقة الوحي وجعل الدين الذي جاء به وهو الإسلام آخر الأديان .

قالت الأم : ولتمام معرفة نسب رسول الله  يجب أن يعرف المسلم أمه آمنة بنت وهب ومرضعته حليمة السعدية .

قال نجيب : لقد حفظت نسب رسول الله  وبعضاً من سيرته في المدرسة وعلمت انه تزوج خديجة فأنجبت له القاسم وعبد الله من الذكور ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة ، أما إبراهيم فأمه مارية القطبية ، وقد توفي أولاده كلهم قبله  ماعدا فاطمة الزهراء فإنها عاشت بعده ستة شهور فقط ، ونزل عليه الوحي في غار حراء وبعث بمكة وهاجر إلى المدينة وتوفي بها ودفن في حجرة زوجه أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق  .

قال الأب : إنني اعرف إن المنهج الدراسي يشتمل على السيرة النبوية .

قال نجيب : وهل بقي شيء لا يتـم الإيمان إلا به فيما يتعلق برسول الله  ؟

قال الأب : بقي الإيمان والإقرار بأن رسول الله r بلغ ما أمر به ونصح لأمته وعبد الله حتى أتاه اليقين .

قالت الأم : إن المسلم يجب أن يعرف رسول الله بثلاثة .

قال نجيب : وما هي يا أماه ؟

قالت الأم : واجب وجائز ومستحيل ، فالواجب في حق الرسول : الصدق والأمانة والتبليغ ، والجائز : النوم والغلط والنسيان ، والمستحيل : الكذب والغش والخيانة .

قال نجيب : وهل هذا خاص بسيدنا محمد  ؟ .

قالت الأم : بل هذا ما يعرف به جميع الرسل عليهم السلام فيجب في حقهم الوصف بمكارم الأخلاق ويستحيل في حقهم رذائل الأخلاق ويجوز في حقهم ما هو من طبع البشر كالأكل واتخاذ الأزواج والذرية والمشي في الأسواق وما إلى ذلك .

قال الأب : أيتها الزوجة الفيلسوفة لقد وضعت أمامنا إبريق الشاي على الموقد من أول الجلسة ثم تشاغلت عنا بالمناقشة والحوار وإني أخشى أن تكون النار قد انطفأت وأن يكون الشاي قد برد .

قالت الأم : إنني لم أتشاغل عنكم ولا عن الشاي كما ظننت ولكن يظهر انك خشيت أن نستمر نحن في النقاش فيستولي عليك السأم ثم النعاس .

قال الأب : سامحك الله أيتها الزوجة الصالحة أن المرأة لا يمكن أن تحسن الظن أبداً .

قال نجيب : الحق إن متعة النقاش أنستني الشاي .

وأخذت الأم الإبريق فملأت ثلاثة أكواب أعطت منها لزوجها وولدها وأخذت لنفسها ، وارتشف الزوج الرشفة الأولى ثم اتجه إلى زوجه وقال لها : سلمت يداك إن ما تقولينه وما تصنعينه جميعا ممتع وشيق .

قالت الزوجة : صدَّق الله قولك وحقَّق ظنك وأقدرني على إرضائك ، ثم جمعت آلة الشاي وخرجت بها .

وانتظر نجيب حتى عادت أمه فقال : لقد بعث فيَّ الشاي نشاطا جديدا واستعداد للتلقي والفهم ولكن أحد الأبوين لم يرد عليه ، ونظر إليهما الواحد بعد الآخر فإذا بهما يسبحان وراء خيال بعيد ، واحترم صمتهما لدقائق ولكنه لم يصبر فمال بجسمه الصغير إلى الأمام وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً رسول الله وأشهد أن ما جاء به حق من عند الله .

قال نجيب : إذن ما معنى أن دم المشركين حلال ما دام المسلم لا يجوز له قتل أي مشرك أمكنه القضاء عليه .

قال الأب : أن الدولة المسلمة(1) مأمورة بالدعوة إلى الإسلام وصيانة هذه الدعوة وإقامة نظام الإسلام في الحكم وسيادته على الأرض فإذا قام المشركون بمعارضة الدعوة والصد عن سبيل الله والطعن في النظام الإسلامي وجب على الدولة المسلمة أن تحاربهم وان تقتل من اعترض طريقها منهم وجائز لها أن تغنم أمواله وتسبي أهله وأطفاله .

قالت الأم : إن الأحكام التي تتعلق بالدماء لا يقوم بها الأفراد وإنما تقوم بها الدولة المسلمة المحافظة على دين الله .

قال نجيب : وما الفرق بين أن تقتل الدولة أو يقتل الفرد ؟

قال الأب : الفرق كبير جدا إن الأعمال التي تقوم بها الدولة لحماية الدعوة هي إقرار للنظام وتثبيت لدعائمه أما قتل فرد لفرد بأي طريقة فهي عدوان وإشاعة للفوضى وجريمة يستحق الفرد العقاب عليها .

قالت الأم : والإسلام لم يجعل بيد الفرد سلطة العقوبة وإنما أوجب عليه أن يكون داعية خير وأمن وسلام .

قال الأب : إن الإسلام دين يكفل الحياة الحرة الكريمة لجميع الناس ما داموا محافظين على الأمن والنظام فإذا وقع عدوان على النظام الذي وضعه الإسلام من فرد أو جماعة فإن الإسلام يقر عقوبة الجاني أو الجناة ولكنه لم يترك ذلك إلى الفرد العادي ليرعاه وإنما أناط حماية الدعوة وحفظ الأمن ومحاربة العدو إلى الدولة المسلمة أو الجماعة المسلمة دون استهتار بالحقوق البشرية التي أعطاها الخالق لأفراد الإنسان وجماعاته .

قال نجيب : يظهر من هذا إن الإسلام حريص على دماء الكفار مثلما هو حريص على دماء المسلمين .

قال الأب : إن الله حين خلق الإنسـان وجعله خليفة له على الأرض يعلم أنه سيكون من الناس كفرة وظالمون ولو شاء لما خلقهم ، أو لأهلكهم ولكنه لحكمة الابتلاء تركهم ولم يجعل من واجب المسلمين ولا من الطاعة قتل الكفار والمشركين اللهم إلا في حالة واحدة وذلك حين يعترضون دعوة الإيمان أن تنشر في الأرض أو يعوقون المؤمنين عن القيام برسالتهم المقدسة ، أما اعتداء الفرد المسلم على الفرد المشرك دون سبب فهو يخالف حكمة الله من خلق الناس واستفادتهم بعض من بعض .

قال نجيب : إن هذا الموضوع لا يزال غير واضح في ذهني .

قال الأب : دع الحديث عن هذا الموضوع إلى سمر مقبل حين نتكلم عن أحكام الملل الموجودة على الأرض وحكم الله فيها ، أما الآن فإني أحس بإرهاق وتعب احتاج معهما إلى قليل من الراحة .

قال نجيب : إني اعتذر إذ لم ألمح ذلك عليك وأتركك تستريح ثم ألقى تحية المساء على أبويه وغادر حجرة السمر إلى حجرة النوم .

 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع