مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب سمر أسرة مسلمة  

 

الليلة الخامسة

اجتمعت الأسرة للسمر ، وافتتح الأب الحديث فقال :

أرأيت كيف تطورت يا نجيب بعد أن أصبحت رجلا مسلماً .

قال نجيب : وكيف ذلك يا أبي ؟

قال الأب وهو يبتسم ابتسامة مازحة : كنت تنصرف بعد العشاء مباشرة إلى حجرتك ، لتذاكر دروسك أو لتنام ، فأصبحت الآن تسـهر معنا وتسمر إلى هون(1) من الليل ، تمام كما يفعل الرجال الكبار .

قال نجيب : إني أحمد الله تعالى على نعمة التكليف والإسلام .

قال الأب : أحسنت يا ولدي فإن المؤمن يحمد الله تعالى دائماً ، على نعمة الظاهرة والباطنة ، لكن كيف حسبت التكليف من نعم الله عليك ؟

قال نجيب : أعتقد إن التكليف منوط بكمال الجسم والعقل عندما أخبرتني يا أبي أنني أصبحت مكلفاً لا يسعني جهل التوحيد ولا غيره من خصال الإيمان – علمت إن الله قد أنعم علي بثلاث نعم في آن واحد ، فقد بلغ تركيبي الجسماني الحد الذي وصل به قوة الرجولة وبلغ عقلي درجة النضوج التي يناط بها التكليف ، وهداني ربي إلى الإيمان به واختيار الإسلام دينا ، أفلا أكون عبداً شكورا وأحمد الله تعالى على هذه النعم المتوالية التي ترتيب على التكليف ؟

قالت الأم : صدقت يا ولدي .. إنها بعض النعم التي أنعم الله بها عليك ولكن ترتيبك لها تنقصه الدقة .

قال نجيب : وكيف ذلك يا أماه ؟

قالت الأم : إن التكليف هو الذي يترتب على بلوغ الجسـم وكمال العقل ، أما اختيار الدين فينبني على التكليف أو هو الخطوة الثانية بعد التكليف .

قال نجيب : إنك دقيقة في كل شيء يا أماه ! ليت بنات اليوم يعرفن بعض ما تعرفين ؟ ..

قال الأب : كم تحب أمك يا نجيب ! .. انك معجب بها كل الإعجاب وكل ما تقوله يكون موضع رضاك .

قال نجيب : إني أحبك يا أبي مثل ما أحب أمي وكنت أعتقد أن الرجال ينقطعون للدراسة ، وتتاح لهم فرص التعلم والاجتماع أكثر مما تتاح للمرأة ، فيحصلون على ثقافة أوسع وعلم أشمل ، ولذلك فأنا لا أعجب من غزارة علمك وسعة اطلاعك يا أبي فإن هذا ما كنت اعتقده ، أما النساء فقد كنت أحسب إنهن لم يدخلن المدارس فلم تتح لهن فرصـة وبذلك يكن ضعيفات الرأي ضيقات الآفاق ، جاهلات بكثير من العلوم ، فلما رأيت أمي تجول في كل ميدان من ميادين الثقافة والعلم ، وكانت مناقشاتها تستهويني حين أجدها تشاركك في جميع الميادين وكم عجبت حين أخبرتني إنها تحفظ عقيدة التوحيد (1)على ظهر قلب ، هذه العقيدة التي لم أقرأها أنا بعد مجرد قراءة .

قالت الأم : هذا تقصير منا نحن لا منك أنت فنحن نعلم إن مثل هذه الكتب غير مقررة في المدرسة يجب أن نضعها بين يديك وننصحك بقراءة ما يفيدك ونشير عليك باستظهار ما يجب استظهاره .

قال الأب : إن كلام أمك حق يا نجيب فإن الأسرة المسلمة لا تنتظر أن يتعلم أبناؤها في المدارس ، إن المدرسة الأولى كانت هي البيت والأب والأم هما المعلمان الأولان اللذان يشرفان على تعليم أبنائهما بالطريقة الإسلامية التي تعنى أولاً بالجانب الديني في الطفل ثم تعتني بالأخلاق وغرس الفضائل وتوسيع آفاق التفكير والإطلاع على الثقافة الإسلامية العامة حتى تتكون الشخصية الدينية والخلقية للطفل في البيت ، أما المدارس فتأتي في الدرجة الثانية فهي تفتح المجال لكي يطلع الطفل على أنواع أخرى من المعارف لم يعرفها في البيت ويكتسب مزيداً من المهارات ثم يفتح المجال لمن أراد الاستمرار في المدرسة ، والتبحر في العلم ، أو التخصص في فن من فنونه .

قال نجيب : يظهر إن البيت في القديم كان خيراً منه الآن فهو يقدم مساعدة كبرى للمدرسة .

قال الأب : لو قلت لك ذلك لحسبتني شيخا رجعيا يحن إلى الماضي ويستمسك به .

قالت الأم : إن الأسرة في القديم كانت ترى أن تكون الجانب الديني في الطفل أهم شيء في الحياة ولذلك كانت تحرص كل الحرص على هذا التكوين غير معتمدة على يجيء به المستقبل عندما يبدأ الطفل في أخذ معلوماته عن الأساتذة والزملاء .

قال الأب : هذا صحيح فإن الطفل إذا تكون دينياً وخلقياً وأصبحت هذه النواحي أجزاء من شخصية لم يخش عليه من التيارات التي تصادفه في الحياة .

قالت الأم : يظهر أن نظام الأسرة في العصر الحاضر تطور تطوراً بعيداً جداً عن روح الأسرة المعروف في القديم ، فإن التعلق بالجانب المادي من الحياة قد ساق الناس سوقاً بعيداً وسريعاً عن المثل العليا .

قال نجيب : هذا موضوع طريف والمناقشة فيه ممتعة ، فهل تجعله موضوع سمرنا لهذه الليلة ؟

قال الأب : بل يحسن إن نؤجله إلى بعض الليالي القادمة لأننا لم ننته بعد من أحاديثنا التي افتتحنا بها حياة الرجل الصغير .

قال نجيب : ألا تسمح لنا بإقامة حفلة عيد الميلاد حتى هذه الليلة ؟

قال الأب : أنت الآن رجل مثلي والرجل لا يستأذن رجلا مثله ليقيم حفلة ميلاده ، ولكنه يقيم الحفلة ، ويدعو إليها الآخرين فإذا وصلتنا بطاقة الدعوة فنحن على استعداد للتلبية .

قالت الأم : ألم أقل لك يا ولدي أن أباك لا يغلب في نقاش ؟

قال نجيب : إذن فلنؤجل هذه الحفلة إلى بعض السنين القادمة حين يقف هذا الرجل الصغير على قدميه ، ويملك مالا من كسبه .

قال الأب : إن مال الأب هو مال الولد الصالح والزوجة الصالحة ، فإن مكاسب الأب إنما جعلت لينفق منها على أفراد الأسرة جميعاً فلكل فرد من أفراد الأسرة حق في مال الأب .

قال نجيب : ذلك ما عرفته يا أبي من سلوكك معي طول حياتي ، فانك لم تضن(1) علي بشيء في يوم ما .

قالت الأم ضاحكة : ما عدا مصاريف حفلة عيد ميلاد الماضية ، فضحك الجميع .

قال الأب : أرأيت براعة أمك في تصيد النكتة الجارحة .

قال نجيب : أنت تعرف يا أبي إني معجب بكل ما تقوله أمي .. ثم التفت إلى أمه وقال : هل لك يا أماه أن تفتحي لنا موضوع سمر الليلة ؟

قالت الأم : إنكما لم تنتهيا بعد من الحديث في مواضيع التوحيد .

قال نجيب : ألم تلخصي لنا ذلك فيمـا نقلته عن أبي حفص عمرو بن جميع ؟

قالت الأم : ذلك خلاصة الجملة التي يدعو إليها رسول الله r فمن اعتقدها في قلبه وأقر بها بلسانه فقد دخل في جملة الموحدين ، ثم التفتت إلى زوجها وقالت : أليس كذلك يا أبا نجيب ؟

فأجاب الزوج : انك على حق أم نجيب فإن الإنسان عندما ينطق بالشهادتين ويستجيب إلى دعوة الله يعتبر موحداً ، ويكتسب حصانة الإسلام فيحرم غنم ماله وإراقة دمه وما إلى ذلك من الأحكام ولكن هنالك أشياء لا يزال مطالبا بها .

قال نجيب : أتعني أنه مطالب بالعمل بالفرائض واجتناب المحرمات ؟

قال الأب : إن ما تقوله صحيح يا نجيب ولكن المسلم يطالب بكثير من المعرفة قبل ذلك .

قال نجيب : هل تعني معرفة الكيفية التي تؤدى بـها الفرائض وأعمال الطاعة ؟

قال الأب : أعني هذا وأعني أشياء أخرى يجب أن يعرفها الإنسان حتى يكون توحيده وإيمانه كاملاً .

قال نجيب : هل نستطيع أن نستعرض تلك المواضيع واحداً بعد واحد يا أبي ؟

قال الأب : إن ذلك بالإمكان .. فهل ترى ضرورة إلى إعادة ما ذكرناه سابقاً ؟

قال نجيب : لا ضرورة لذلك فقد فهمت ذلك ولا سيما بعدما لخصته أمي .

قال الأب : أنت عارف إن دماء المسلمين محرمة بما معهم من التوحيد وان دماء المشركين يحل سفكها لشركهم بالله إذا عارضوا الدعوة الإسلامية .

قال نجيب : هل معرفة هذا من التوحيد .

قال الأب : نعم يا ولدي ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍فإن الإنسان الذي لا يعرف كرامة المسلم وعزته عند الله وذلة المشرك وهوانه على الله لا يكون وثيق الصلة بربه .

قال نجيب : أي مؤمن يرضى أن لا يكون وثيق الصلة بربه ؟

قالت الأم : إن هذا الموضوع وثيق الصلة بموضوع آخر يجب معرفته .

قال نجيب : أي موضوع يا أماه ؟

قالت الأم : موضوع الطاعة والمعصية .

قال الأب : على المسلم أن يعرف إن الله أمر بطاعته وجعل عليها ثواباً ونهى عن معصيته وجعل عليها عقاباً .

قال نجيب : إن ترتب الثواب على الطاعة ، وترتب العقاب على المعصية أمر طبيعي حق في حياة الإنسان فان كلا من الأب والمدرس والحاكم يسرون ويكافئون من يطيع أوامرهم وينفذها وكلهم يستاءون من عصيان أوامرهم وعدم امتثالها ويعاقبون على ذلك ، وان اختلف أساليب الثواب والعاب ، فكيف لا يثاب من يطيع ملك الملوك وخالق الموت والحياة ، أما الذي تبلغ به الوقاحة ، وسوء الدخلة (1)إلى أن يجاهر ربه بالكفر أو بالمعصية فهو أولى بأشد أنواع العقاب منه .

قال الأب : فأنت ترى من حديثنا السابق إن الله جعل وعلا أمر بطاعته ونهى عن معصيته ، فمن امتثل لأمره جازاه الله بالجنة ، ومن عصاه عاقبه بالنار إلا أن العصاة على قسمين القسم الأول : المشركون وهم الذين لم يعترفوا بكلمة الشهادة أو أنكروا منها ما كان قطعياً وأولئك هم الذين أباح الله دماءهم وأموالهم كما سبق أن شرحت لك ويوم القيامة مثواهم النار وبئس المكان .

أما القسم الثاني من العصاة فهم الذين يعترفون بكلمة الشهادة ولكنهم يخلون بالعمل فيعصون الله وهؤلاء قد صان الله دمائهم وأموالهم في الدنيا بما معهم من التوحيد أما يوم القيامة فمأواهم جهنم وبئس المهاد .

قال نجيب : والنتيجة من ذلك أن من أشرك بالله ومن مات عاصيا من الموحدين غير تائـب جمعهم الله في جهنم جميعاً [ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ] (1).

قال الأب : إذا رأيت شخصا مؤمناً بالله حريصاً على طاعته ، وقافا عند حدود دينه ، محاسبا لنفسه على أعماله ، فما هي المنزلة التي تعطيها له في نفسك .

قال نجيب : منزلة الحب والاحترام .

قال الأب : وإذا وجدت إنساناً لا يؤمن بالله أو يزعم انه مؤمن بالله ولكنه يتهاون في أمر الله فلا يقف عند الحدود التي حدها دين الله فلا يحرص على أداء واجب ، ولا يتورع عن ارتكاب إثم ، فمـا هي المنزلة التي تعطيها له من نفسك ؟

قال نجيب : الإحتفار والكره فإنه مثل هذا الشخص لا يمكن أن يجب أو يحترم ، وأهون ما يعامل به هو الإهانة والتهاون بشأنه .

قال الأب : انك وصلت بنفسك إلى قاعدة هامة من قواعد التوحيد .

قال نجيب : ما هي يا أبي ؟

قال الأب : هي الحب في الله والبغض في الله أو ما يعبر عنه علماء الأباضية بقاعدة الولاية والبراءة .

قال نجيب : أود أن تزيدني إيضاحا يا أبي .

قال الأب : إن الناس منذ خلق آدم ينقسمون إلى قسمين كبيرين .

قال نجيب : هل تعني أنهم ينقسمون إلى أطفال غير مكلفين وبالغين أنيطت بهم الواجبات .

قال الأب : ليس ذلك ما أعني فإن أحاديثنا هنا مقصورة على المكلفين والمكلفون لا يكونون إلا بالغين عقلاء .

قال نجيب : إذن تقصد أنهم ينقسمون إلى ذكور وإناث .

قال الأب : ولست أقصد هذا أيضاً .

قال نجيب : إذن لابد أن يكون التقسيم راجعاً إلى أعمال الناس .

قال الأب : إن التقسيم راجع إلى أعمالهم وأقوالهم وعقائدهم .

قال نجيب : لازلت لم أفهم ما ترمي إليه يا أبي ؟

قال الأب : الناس منذ خلق الله آدم : قسم آمنوا به واتقوه واتبعوا دينه فرضي الله عنهم وأثابهم على إحسانهم فأولئك أولياء الله وجيب علينا أن نحبهم لله ونستغفر لهم ونطلب لهم الرحمة .

قال نجيب : يعني إن الذين آمنوا بالله واتقوه وأطاعوه من جميع الديانات هم أولياء الله وعلينا محبتهم والدعاء لهم .

قال الأب : من جميع الديانات الصحيحة التي أنزلها الله في أزمنتها وأمر باتباعها أما الديانات الباطلة التي وضعها البشر أو حرفوها فإنها لا تسمى ديانات ولا يكون أتباعها أولياء الله ومنذ جاء الإسلام فقد بطلت كل الديانات الأخرى واصبح اتباعها كافرين بالله محادين(1) له [ لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَه ] (2).

قال نجيب : هذا القسم الأول .

قال الأب : أما القسم الثاني : فيشتمل على نوعين من أعداء الله أحد النوعين هم المعرضون عن دين الله الذين لم يؤمنوا به أما النوع الثاني فهم أولئك الذين أقروا بكلمة التوحيد ولكن غلبتهم شهواتهم وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فانتهكوا حرمات الله حتى ماتوا على ذلك ولم يتوبوا إلى الله ولم يقلعوا عما ارتكبوا فيه من معصية ومن هذين النوعين يتكون القسم الثاني وهم أعداء الله ويجب علينا أن نبرأ من أعداء الله منذ خلق الله آدم وان نبغضهم ونلعنهم .

قال نجيب : إن من يحب الله لابد أن يحب أولياءه ويكره أعداءه .

قال الأب : هذا ما يعبر عنه في كتب التوحيد بولاية الجمـلة وبراءة الجملة .

قال نجيب : وهل هناك ولاية أخرى .

قال الأب : هنالك الولاية والبراءة الشخصيتان .

قال نجيب : وما معنى هذا يا أبي ؟

قال الأب : لابد أنك عرفت أسماء كثير من الأنبياء والأولياء وأنت تقرأ القرآن الكريم .

قال نجيب : نعم فإن الله ذكر في الكتاب العزيز كثيراً من أنبيائه وأوليائه .

قال الأب : ولابد أنك عرفت من التاريخ والسير أسماء كثير من أصحاب رسول الله الذين جاهدوا معه ورفعوا كلمة الإسلام .

قال نجيب : هذا صحيح يا أبي .

قال الأب : فإنه يجب عليك أن تحب أولئك الأشخاص الذين ثبت عندك وفاؤهم بدين الله شخصا ، سواء ثبت ذلك عندك بالقرآن الكريم أو بخير النبي r أو بخير العدول (1)من المسلمين .

قال نجيب : أن هؤلاء جميعا لا أملك إلا أن أحبهم وأدعو الله أن يحشرني معهم .

قال الأب : ولابد أن تكون عرفت أسماء كثير من الكفار والمشركين والمنافقين ، إما من القرآن الكريم ، أو من أحاديث النبي  ، أو من أخبار العدول من المسلمين .

قال نجيب : نعم فلقد ذكر الله كثيرا من الكفار والمشركين كما أنني عرفت كثيرا منهم من دراستي للسيرة النبوية ولتاريخ الإسلام .

قال الأب : فكل من ثبت عندك أنه معرض عن الله كافر به أو جاحد لنعمته فإنه يجب عليك أن تبرأ منه .

قال نجيب : ومن ورد علي اسمه ولكني لم أعرف هل هو مؤمن تقي أم فاجر شقي ؟

قال الأب : ذلك يدخل في الحكم الثالث من هذه القاعدة .

قال نجيب : وما هو الحكم الثالث يا أبي ؟

قال الأب : الحكم الثالث هو الوقوف فإن الشخص الذي لم يثبت عندك دينه وعمله يجب أن نقف فيه فلا تحبه لله ولا تبغضه لله يعني لا تتولاه ولا تتبرأ منه ولا تدعو له بالرحمة والمغفرة ولا بالعذاب واللعنة .

قال نجيب : وهل هذه القاعدة تجب على الفور ؟

قال الأب : أما ولاية الجملة وبراءة الجملة فتجبان على الفور ، وأما ولاية الأشخاص وبراءة الأشخاص فتجبان بقيام الحجة .

قال نجيب : وكيف تقوم الحجة يا أبي ؟

قال الأب : عندما يثبت عندك عدالة شخص إما بالخبر الصادق أو بشهادة العدول وإما بالمعرفة الشخصية فإنه يجب عليك ولا يته ، وعندما تثبت عندك شقاوة شخص ، أما بالخير الصادق أو بشهادة العدول ، وأما بالمعرفة فإنه يجب عليك أن تتبرأ منه وأن تبغضه الله .

قال نجيب : إذن فحكم الولاية والبراءة ينطبق حتى على الأشخاص الذين نعاشرهم ويعشون معنا .

قال الأب : نعم نعم يا بني فإنه يجب عليك أن تحب في الله كل من رأيت منه وفاء بدين الله وأن تعاشره وتربط معه علاقات الصداقة والأخوة ويجب عليك أن تبغض كل من رأيت منه إعراضاً عن دين الله وأن تشعره بالكراهية والاحتقار وأن تبتعد عنه ولا تتعامل معه إلا بمقدار الضرورة ، أما أولئك الذين لم تعرفهم معرفة صحيحة ولم يثبت عندك شيء من طريق العدل عنهم فيجب عليك أن تتوقف فيهم يعني أنك لا تسبغ عليهم محبتك ولا تلقي عليهم كراهيتك وبغضك حتى تقوم الحجة لديك بصلاحهم أو فسادهم .

قال نجيب : إذن فالوقوف هي الدرجة التي يقف عليها الناس ومنها ينقلون إلى الولاية أو البراءة .

قال الأب : هذا صحيح فإن المجهول يكون في الوقوف حتى يثبت له أحد الحكمين فإذا ثبتت له الولاية فلا ينقل منها إلا بقيام الحجة ولا ينقل إلا إلى البراءة ومن كان في البراءة فلا ينقل منها إلا بقيام الحجة ولا ينقل إلا إلى الولاية .

قال نجيب : يعني أن من انتقل من حكم الوقوف لا يعود إليه أبداً فلا يكون إلا في الولاية أو البراءة .

قال الأب : هذا صحيح والانتقال من أحد الحكمين إلى الثاني لا يكون إلا بحجة وبرهان .

قال نجيب : ولماذا هذا الفرق بين المواقف الثلاثة ؟

قال الأب : إن الوقوف هو حكم مبني على جهل الشخص ولا ننتقل منه إلا بعلم فإذا عرفنا حالة شخص ما ، حكمنا عليه بمقتضى معرفتنا له وعلمنا بحاله وهذا حكم مبني على شخص مصادفة لا تدري هل هو مسلم قويم أو فاسق لئيم فما هو الحكم الذي تحكمه عليه ؟

قال نجيب : أتردد فلا أحبه الله ولا أبغضه الله .

قال الأب : هذا التردد ه ما يسمى بالوقوف ، فإذا طالت عشرتك له حتى رأيت منه الوفاء بدين الله .

قال نجيب : حينئذ أتولاه وأحبه الله .

قال الأب : فأنت انتقلت بالنسبة لهذا الشخص من حكم الوقوف إلى حكم الولاية .

قال نجيب : نعم هذا صحيح .

قال الأب : فهل تنتقل من ولاية هذا الشخص إلى حكم آخر ؟

قال نجيب : لا أدري .

قال الأب : إن حكم الولاية هو ما ثبت عندك بعلم لا يجوز أن تنتقل عنه إلا إذا ثبت لك ضده .

قال نجيب : وكيف ذلك ؟

قال الأب : إذا ثبت بيقين إن هذا الرجل الذي كنت تحبه لله وتتولاه قد انتهك حرم الله وارتكب من المعاصي ما يوجب البراءة فإنك تنتقل من الولاية إلى البراءة فتتبرأ منه وتعلن بغضك وكراهيتك له من أجل المعصية التي ارتكبها ولو تاب وصلح وثبت عندك صلاحه فإنك تنتقل من حكم البراءة إلى حكم الولاية .

قال الأب : وهكذا لا تجد للوقوف سبيلا .

قال نجيب : يظهر إن الانتقال من الولاية لا يكون إلى البراءة والعكس صحيح .

قال الأب : نعم لأن الوقوف ينبني على الجهل بحالة الشخص فإذا ثبت أحد الحكمين بعلم ، لم ينتقل منه إلا بعلم ويقين .

وعلى هذا فجميع الناس الذين تعرفهم كاملة لا يكون إلا في أحد الحكمين أما الولاية أو البراءة .

قال نجيب : قد فهمت هذه القاعدة يا أبي فهماً كاملاً .

قال الأب : فالحمد الله على نعمته .

قالت الأم : يبدو إن المناهج المدرسية لا تتعرض لمثل هذه المسائل التي لا يتم التوحيد إلا بمعرفتها .

قال نجيب : لم يحدثنا أحد من المدرسة عن هذا الموضوع أبداً .

قال الأب : إن المناهج المدرسية لا تتسع لكل شيء .

قالت الأم : لكن هذه المسائل المتعلقة بالتوحيد والتي ينبني عليها التعامل بين الناس من أوكد ما يجب أن تعالجه المناهج المدرسية ولكن واضعي المناهج فتنتهم طرق الغرب فاتبعوها وبعدوا عن الإسلام .

قال نجيب : لعل الله يهدي الأمة الإسلامية فتذكر ما لها من أمجاد وتعود إلى دين الله في كل صغيرة وكبيرة .

قال الأب : حسبنا سمراً الليلة فإنني أحس برغبة في الراحة قام نجيب وألقى تحية المساء على أبويه ثم انفلت في خفة إلى حجرته

 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع