مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة
 

 

 

دروس من مسند الربيع ومدونة أبي غانم

 

مع فقهاء المدرسة الجابرية

 

     الاستاذ خالد الوهيبي

 

جاءتني بعض الملاحظات من بعض الإخوان الطيبين حفظهم الله تعالى عما نشرته حول المسند والمدونة تتلخص في التالي:

1.    أنني لا اعتمد في الحديث سوى على المسند والمدونة.

2.    وأنني قد أقترب أو أصل إلى حد الرفض لكل التراث الحديثي في الكتب الأخرى.

 وأنا أشكر هؤلاء الإخوة على ملاحظاتهم القيمة، وقبل كل شيء أحب أن أنوه بأنني لست ممن يعول على كلامه، فأنا لا أصلح أن أكون طالب علم فضلاً عن أن يؤخذ مني شيء، وما أكتبه لا يعد سوى مشاركة من أحد أفراد الفئة البسيطة في المجتمع في تفاعل مع تراث الأمة، وهي من النصيحة لله ورسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم.

 لماذا العناية بالمسند والمدونة؟

بعض الإخوة لم يفهم من العناية الكبيرة بالمسند والمدونة سوى إنكار ماعداه!، ولا أدري لماذا؟، وهذا يعود في نظري إلى ثلاثة عوامل:

1. جانب سيكولوجي: يتمثل في العقلية الموسوسة التي لا ترى إلا بعين الشك والريبة.

2. سيادة المناهج المتأخرة، التي قد تفارق قليلاً أو كثيراً المناهج المتقدمة.

3. الخلط بين الضوابط القائمة على المنهج العلمي وبين الإنكار، وهذا سببه عدم الوعي بخصائص الحقل المعرفي للمناهج المختلفة.

 وعنايتنا بمسند الربيع ومدونة أبي غانم مرده إلى:

1. أنهما يمثلان تراث المدرسة الإباضية الأولى في الحديث والفقه، والفقه الإباضي في بنيته الأساسية انبنى على القرآن الكريم وعلى هذين الكتابين.

2. كونهما من الكتب التي قدمت منهجاً أصولياً وحديثياً راقياً لعلماء التابعين وتابعي التابعين كجابر وأبي عبيدة وجعفر بن السماك والحتات بن كاتب وسالم بن ذكوان وضمام بن السائب وصالح الدهان والربيع بن حبيب وابن عبدالعزيز وأبي المؤرج وأبي المهاجر ومخلد بن العمرد ووائل بن أيوب ومحبوب بن الرحيل وغيرهم.

3. تمثل الأحاديث الواردة في الكتابين مجمل الأحاديث المتداولة داخل المدرسة الإباضية الأولى، والتي تمثل الركائز الأساسية للتشريع النبوي.

 المدرسة الجابرية عند الشيخ أحمد بن سعود السيابي:

 ونقل هذه الركائز كان نتاج جهود تنقية وتصفية قائمة على الفهم العميق لمنهج التشريع الإسلامي، وقد نبه الشيخ أحمد بن سعود السيابي على أن (المذهب نشأ على مسمع ومرأى من الصحابة، وكان للمذهب في ذلك الوقت علماء عديدون منهم صحار بن العباس العبدي وجابر بن زيد وجعفر بن السماك والحتات بن كاتب وعبدالله بن إباض وأبو نوح صالح الدهان).

وكان في طليعة هؤلاء (التابعي الكبير الإمام جابر بن زيد الأزدي العماني الذي أجمعت الأمة على توثيقه ولم يطعن فيه طاعن، وقد أخذ العلم عن عدد كبير من الصحابة كأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وعبدالله بن عمر وأبي هريرة وعبدالله بن عباس رضي الله عنهم، وروى عن أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثنى عليه الصحابة ثناء لم ينله أحد غيره). انظر رسالة الرفع والضم للشيخ أحمد بن سعود السيابي.

 من هذا النقل يتبين لنا أن الشيخ السيابي حفظه الله يرى أن:

1.  الركائز الأساسية للتشريع الإسلامي للمدرسة التي قام عليها المذهب الإباضي وهي التي يسميها بالمدرسة الجابرية تكونت وتبلورت منذ وقت مبكر (على مسمع ومرأى من الصحابة).

2. المدرسة الجابرية تتمثل في (جيل كامل) من العلماء الذين أخذوا عن الصحابة الكرام وليسوا مجرد (فرد)، تعاونوا جميعاً في نقل وترسيخ الركائز الأساسية للتشريع.

3. نقلة الأحاديث التي تمثل ركائز التشريع هم الفقهاء العارفون بالظروف والملابسات، لذا جنبوا رواياتهم في طابعها العام المثيولوجيا الإسرائيلية والحالات الظرفية والروايات السياسية.

 فهذا هو بالضبط ما دعانا لإبراز هذا التراث العظيم وتقديمه للناس في دراسة مقارنة مع إنتاج بقية المدارس الإسلامية الأخرى. 

مع فقهاء المدرسة الجابرية:

 والمدرسة الجابرية خلفت للأجيال تراثاً حديثياً من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله، وهذا التراث تمثل في كتابين هما: مسند الإمام الربيع ومدونة أبي غانم الخراساني.

وتتميز الأحاديث الواردة في الكتابين في طابعها العام بـ:

1. تساوقها مع دلالات الكتاب العزيز والسنة المتواترة.

2. تعبيرها عن السنن المجتمع عليها، وهي القدر المتفق عليه والذي دعمه العمل المتواصل من الأمة.

 وإليكم نماذج من ذلك:

1. في كتاب الصيام من مدونة أبي غانم (=المدونة الموجودة بدار الكتب المصرية، مرقونة) ص 7: (قال أبو سعيد عبدالله بن عبدالعزيز سألت أبا عبيدة عن رجل أكل أوشرب أو جامع ناسياً صومه في رمضان.

قال سألت أبا الشعثاء جابر بن زيد عن ذلك فقال: لا قضاء عليه.

ثم قال عبدالله بن عبدالعزيز: مضت السنة وأجمعت الأمة بهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أطعمه الله وسقاه").

2. وفي نفس الكتاب ص 40 من كلام أبي المؤرج: (السنة المجتمع عليها في الصوم أن يدع الصائم الطعام والشراب والرفث كله لله نهاراً).

3. وفي نفس الكتاب ص 63 من كلام أبي المؤرج: (والسنة المجتمع عليها أن الله جعل وقتاً للفريضة، ولم يجعله وقتاً لصيام التطوع).

4. وفي نفس الكتاب ص 71 من كلام أبي المؤرج: (والسنة المجتمع عليها أن الشمس إذا غابت فقد ذهب النهار وجاء الليل، والسنة أن الصوم بالنهار وليس بالليل).

5. وفي نفس الكتاب ص 83 من كلام أبي المؤرج: (والسنة المجتمع عليها أن الحائض لا صوم لها وعليها عدة من أيام أخر).

 السنة عند فقهاء المدونة:

ذكر أخونا الفاضل عبدالله بن صالح الخالدي في تعقيبه على سلسلة (كيف نتعامل مع السنة) الذي نشرته جريدة الوطن أن السنة هي (مجموعة المبادئ المحددة للرؤية القرآنية التي تجلت في ممارسات الرسول صلى الله عليه وسلم وأقواله)، وقال بأن التعريف المتداول جيد لكن فيه بعض القصور، وعندما أمعنت النظر في كلام فقهاء المدونة وجدت أن مصطلح السنة عندهم جاء بمعنى:

 1.  مجموعة المحددات والمبادئ الثاوية في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله المعبرة عن القيم القرآنية (=كليات متولدة من جزئيات مترابطة)، ففي كتاب الصيام من المدونة ص43: (والسنة عندنا أن الله أحل الميتة والدم ولحم الخنزير لمن اضطر إليها وخاف على نفسه)، ومن المعلوم أن حلية الميتة والدم والخنزير للمضطر جاءت منصوصة عليها في كتاب الله تعالى، لكنه عبر بالسنة هنا عن المحددات والمبادئ الثاوية في أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله المعبرة عن الرؤية القرآنية.

وأيضاً قال أبو المؤرج في ص 42 من نفس الكتاب: (والأمر عندنا ما ذكرت لك لأن السنة عندنا أن من دخل في شيء يتقرب به إلى الله من الحج والصلاة فليس له أن يخرج منه)، ومن المعلوم أن هذا المعنى الذي عبر عنه هو عبارة عن محددات ومبادئ في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله والتي تعبر عن المبادئ القرآنية وهي ها هنا قوله تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم).

 2. الفعل أو القول النبوي المنسجم مع مجموعة المحددات والمبادئ العامة (=جزئيات منسجمة مع كلياتها).

قال أبو المؤرج في ص 62 من نفس الكتاب: (والسنة في الرؤية عند غروب الشمس وليس كبره ولا صغره بشيء، ولو كان الكبر والصغر يدل على الهلال ما قال النبي صلى الله عليه وسلم صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته عند غروب الشمس، وليس لرؤيته بالنهار شيء).

وقال في ص 73: (والسنة أن من أفطر قبل أن تغيب الشمس وهو يرى أنها قد غابت فليصم حتى تغيب الشمس، وعليه قضاؤه، وقد جاء الحديث بذلك من غير وجه واحد).

 من كل ذلك نستنتج أن:

1. الركائز الأساسية للتشريع قد استقرت أصولها لدى فقهاء المدرسة الإباضية الأولى (= المدرسة الجابرية) وأنها بذلك قد استغنت عن البحث في أصول غيرها مما تفردت به المدارس الإسلامية الأخرى، يقول عمرو النامي في دراسات عن الإباضية ص143: (وبإنقضاء ثلاثة عقود من القرن الثاني للهجرة كانت الآراء الإباضية بخصوص معظم المسائل الشرعية والدينية قد استقرت)، وقال في ص 131: (ولم يعتمد الفقه الإباضي في تاريخه الطويل إلا على مواد إباضية مروية من قبل علماء إباضيين).

2. بتعاملها المباشر مع الكتاب العزيز والسنة المتواترة والسنن المجتمع عليها التي دعمها العمل المتواصل للأمة جنبت الأجيال تسرب شتى المرويات المخالفة للثابت المستقر من النصوص، ووفر لها الغطاء الشرعي للحكم على شتى المرويات التي نزلت عن هذا المستوى.

وهذا بالضبط ما دعا بعض الباحثين مع المتقدمين والمتأخرين من غير المنتمين للمدرسة الجابرية إلى القول بأن هناك توجساً من فقهاء المدرسة الجابرية في قبول رواية الحديث عن المدارس الإسلامية الأخرى، يقول إبراهيم بدوي: (أجد القدامى منهم يعتمدون اعتماداً كلياً على مسند الربيع بن حبيب، دون ما سواه من المسانيد الصحيحة، أما المحدثون منهم، وخاصة في القرن العاشر فوجدتهم يتعرضون لجميع المسانيد) انظر أشعة من الفقه الإسلامي(3) التواجيني ص 97.

 

ولماذا هذا المنهج العلمي الصارم؟:

والحقيقة أنه ليس هناك توجس بمعناه النفسي، لكنه معبر عن جانب موضوعي علمي في قبول الرواية للأسباب التالية:

- عدم التورع عن الكذب والدس في الرواية، وهذا قد ظهر مبكراً في تاريخ الرواية، ففي مقدمة صحيح مسلم (1/13): ( جاء بشير العدوي إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم،  فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس ما لي لا أراك تسمع لحديثي، أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع، فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف).

وفي هذا روى أبو غانم في المدونة ج1 ص67  ط وزارة التراث: (سألت أبا المؤرج: هل في الصلاة قنوت؟.قال: حدثني أبو عبيدة أنه سأل جابر بن زيد عن ذلك فقال: الصلاة كلها قنوت، قال الله تبارك وتعالى: (أمن هو قانت آناء الليل ساجداً قائماً) فالصلاة كلها قنوت.

قلت: يا أبا الشعثاء؛ ليس عن هذا أسألك، ولكن إنما أسألك عن الذي يفعل هؤلاء بعد الركوع، يدعون ويهللون وهم قيام.

قال: هذا أمر محدث لا نعرفه ولا نؤثره عمن مضى من هذه الأمة).

- تأثير الصراعات السياسية والعقائد المذهبية على رواية الأحاديث، فقد تحول الانقسام السياسي الأول إلى مجال خصب للدس والكذب في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد الطين بلة أن ركب هذه الموجة أناس دخلوا الإسلام وهم يحملون أوزاراً من عقائدهم ومورثاتهم السابقة والتي جاء الإسلام لاجتثاثها من جذورها، فحصل خلط كبير، ودخلت على المسلمين على حين غفلة منهم كثير من الروايات الباطلة، فكان لا بد من الحذر والحيطة في أخذ الحديث وتلقيه.

فالرواد الأولون للمدرسة الجابرية لم يمارسوا هذه الصرامة في قبول الأحاديث لأجل (الخلاف السياسي)، بل لأجل ما جره هذا الخلاف السياسي من تبعات في القول والعمل، ويؤيد هذه الحيطة ما ورد في كتاب الله تعالى (يأخذون عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا) فبين تعالى في هذه الآية أن التعلق بأماني الغفران مؤد بدوره إلى التكالب على الحطام الفاني وتضييع معاني الخوف من الله تعالى، وقال تعالى أيضاً: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون) ثم بين تعالى سبب هذا الإعراض عن حكمه ومنهجه (بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات)، فتضييع العمل أوالتهوين من شأنه لا شك أنه يلقي بظلاله الكئيبة على تلقي الرواية وأدائها، ولعل هذا يفسر تكالب آلاف الكذابين والدجالين لاختلاق الروايات ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وللأسف الشديد أن يكون بين هؤلاء الكثير ممن حملوا أمانة العلم.

التثاقف بين المدارس الإسلامية:

إذن كيف تعامل فقهاء المدرسة الجابرية مع روايات غيرهم من المدارس الإسلامية فيما تفردوا به؟.

أجاب عن هذا السؤال فقيه المدرسة الجابرية أبو المؤرج فيما رواه أبو غانم في مدونته ج1 ص38 ط وزارة التراث: (قال أبو المؤرج: قال أبو عبيدة: وكل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج. فقلت له حينئذ: يا أبا المؤرج إن هذا قول قومنا، قال: قومك يقولون حقاً كثيراً لم يخالفهم فيه المسلمون فيما أصابوا، ولكن إنما خالفوهم فيما أخطأوا فيه وكذبوا).

فأبو المؤرج يؤكد على أن عند الآخرين الكثير من الخير الذي لا ينبغي إهماله والإعراض عنه، لكنه يؤخذ بضوابط علمية منها:

-       تساوق الروايات مع دلالات الكتاب العزيز والسنة المتواترة.

-       موافقتها أو تساوقها مع السنة المجتمع عليها.

-       موافقتها أو تساوقها مع القواعد الكلية للشريعة الإسلامية.

 

(1) تساوق الروايات مع دلالات الكتاب العزيز والسنة المتواترة.

في مسند الربيع (123): قال جابر: (كيف يمسح الرجل على خفيه والله تعالى يخاطبنا في كتابه بنفس الوضوء؟!، والله أعلم بما يرويه مخالفونا في أحاديثهم).

 

(2) موافقتها أو تساوقها مع السنة المجتمع عليها.

في كتاب الصوم  ص 40: (قلت (=أبو غانم): إن أناساً يقولون إنه إن أصبح ولم ينو الصيام من الليل فهو بالخيار ما لم ينتصف النهار، ويروون ذلك عن واحد من الفقهاء؟

قال (=أبو المؤرج): لسنا نأخذ بذلك ولا نعتمد عليه، لأن الصيام عندنا من الليل، فمن أصبح مفطراً لم يصم، ومن أصبح صائماً لم يفطر إلا من عذر، لأن السنة المجتمع عليها في الصوم أن يدع الصائم الطعام والشراب والرفث كله لله نهاراً، فإن ترك أول النهار ذلك كله وهو لا يريد الصوم فليس بصائم في تركه).

وفي نفس الكتاب ص 60: (إنما الصوم هو بالنهار وليس بالليل والنهار كله معناه واحد، فالصوم في أوله وآخره واجب، ولا يترك ما اجتمعوا عليه من سنة الصيام إلى رأي ولا لحديث لم يثبت).

 (3) موافقتها أو تساوقها مع القواعد الكلية للشريعة الإسلامية.

في نفس الكتاب ص 47: (قلت (=أبو غانم): إن قومنا وبعضهم يقولون ويروون عن علي أنه قال: لا يقضي رمضان في العشرة (=من ذي الحجة).

قال (=أبو المؤرج): أساءوا الرواية، ولقد كان علي لعمري يقول ذلك على غير ما قالوا، إنما قال علي ذلك لئلا يؤخروا رمضان إلى العشرة، كذلك حدث عنه الحسن، فهم يروون الرواية ولا يعرفون وجهها ولا معانيها، والسنة أن رمضان فرض من الله والعشرة صيامها تطوعاً، فلا ينبغي لأحد أن يدع الفرض ويتطوع، وليس صوم العشرة حتماً).

 (4) موافقتها أو تساوقها مع السنن الكونية.

-  في جزء الملاحق من مسند الربيع (827) قال جابر بن زيد حدثنا رجل من أئمة أهل الكوفة يكنى أبا أمية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على قوم وهم يتذاكرون، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم سكتوا، فقال: ما كنتم تقولون.  قالوا: نتذاكر في الشمس وفي مجراها. قال: كذلكم فافعلوا، تفكروا في الخلق ولا تتفكروا في الخالق). وزاد فيه الحسن إن الله لا تناله الفكرة.

 ونستدل على هذا البند أيضاً بتجنبهم فيما رووه لأطنان المرويات المخالفة للحقائق الكونية مما شاع وذاع مبكراً، وكان معبراً عن التسرب الإسرائيلي إلى عالم الرواية، وهذا دليل على أن التدوين عندهم كذلك كان منهجياً وليس جمعاً عشوائياً.

 لكن وجدنا في كلامهم ما يدل على توجسهم وحذرهم من التسرب الإسرائيلي عموماً في الرواية:

- ففي الأخبار المقاطيع عن جابر بن زيد  (944) التي ألحقت بمسند الربيع، قال جابر: المرجئة يهود أهل القبلة، لأنهم يعدون أهل المعصية الجنة، وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة كما قالت اليهود والنصارى.

- (913) من ملاحق المسند من رواية الإمام أفلح بن عبدالوهاب عن أبي غانم الخراساني عن حاتم بن منصور عن أبي يزيد الخوارزمي عن مجاهد أو عمن حدثه عن مجاهد شك في ذلك أبو غانم عن ابن عمر: (أنه رأى ناسا في المسجد مستقبلين القبلة بوجوههم رافعين أيديهم إلى السماء يدعون، فضاق ابن عمر ضيقاً شديداً وغضب عليهم، وقال لهم: لا تفعلوا مثل هذا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تفعلوا فعل أهل الكتاب في بيعهم وكنائسهم). 

-----------

  (ملاحظة هامة: كتاب الصيام من مدونة أبي غانم والذي نقلنا منه ليس موجوداً في الجزء المطبوع حالياً، لكنه موجود في النسخة الموجودة بدار الكتب المصرية من ص 248، ونقلنا هنا عن النسخة المرقونة بالآلة الكاتبة وهي ذاتها النسخة المخطوطة في محتوياتها وتبويبها، وقد أحضرها إلى عمان الشيخ يحيى بن عبدالله النبهاني في هذا العصر، وقد ذكر الشيخ عمرو النامي في دراسات عن الإباضية أنه اكتشف نسختين منها في جزيرة جربة، ونسخة أخرى في دار الكتب المصرية).

 
 
 

 

Google

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تقتضي ذكر المصدر عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع